الظّن الّذي دلّ دليل ظنّي على حجيّته لا كلّ ظنّ و جعل انسداد باب العلم
في سائر المسائل موجبا للميل بالظّن فيها دون هذه المسألة تهافتانتهى
كلامه
رفع مقامهو هو كما ترى و إن كان ظاهرا في إجراء دليل الانسداد في تعيين
الظّن الثّابت حجيّته مستقلاّ أو في ضمنإجرائه في الفروع إلاّ أنّه في
كمال الغرابة فإنّه بعد تسليم اقتضاء المقدّمات لحجيّة مطلق الظّن في
الفروع كما هو مبنى الاعتراض يحصلالعلم بمناط الأحكام فأين انسداد باب
العلم به و على تقدير اقتضائها لحجيّة الظّن في الجملة لا بدّ أن يقول بأنّ
مقتضاها في تعيين المناطالعمل بالظّن في الجملة نظرا إلى ما ذكره من عدم
اختلاف اقتضاء الدّليل بحسب المسائل نعم
على تقرير الحكومة نقول باقتضائها لحجيّةمطلق الظّن المتعلّق بالمسائل
الأصوليّة و الفقهيّة على ما عرفت تحقيقه مرارا و لكنّه لا تعلّق له
بالمقام أصلا ضرورة اقتضائه لحجيّةالظّن في المسألة الأصوليّة و لو لم يحصل
بما ظنّ حجيّة ظنّ في الفروع أصلا و أين هذا من تعيين المهملة بالظّن و
كيف كان لا ينبغيالإشكال في أنّ التّرجيح بمطلق الظّن لا معنى له من غير
فرق بين القول بالإطلاق و الإهمال نقل كلام آخر للمحقّق النّراقي ثمّ
الاعتراض عليه
و إن خالف فيه جمع منهم الفاضل النّراقي فيماعرفت من كلامه و في غيره فإنّه
قال أيضا في موضع آخر ما هذا لفظه و رابعا
أنّه لم يعلم ما قصده بقوله فيجب العمل بالظّن إنأراد أنّه يجب العمل
بكلّ ظنّ فهو ممنوع و إن أراد أنّه يجب العمل بالظّن في الجملة فهو مسلّم و
لا يفيد له فإن قيل
يثبت حجيّة الجميعبضمّ بطلان التّرجيح بلا مرجّح قلنا
لا شكّ أنّ للظّن عرضا عريضا فيتّصل أحد طرفيه بالعلم و الآخر بالشّك و في
البين ظنونمتفاوتة بعضها أقوى من بعض فكيف يكون ترجيح الأقوى ترجيحا بلا
مرجّح أ لا ترى أنّ بعض أفراد الخبر المفيد للظّن أرجح من بعض كالصّحيحمن
غيره و الحسن من الضّعيف و أيضا الظّنون مختلفة حيث إنّ بعضها ممّا اشتهر
القول بحجيّته و بعضها ممّا لم يقل بحجيّته إلاّ نادرو لا شكّ أنّ الأوّل
أرجح و أيضا المرجّح موجود في طائفة من الأدلّة لوجود الأدلّة على لزوم
العمل بها المذكورة في مظانّها و القولبأنّ أدلّتها لا تفيد إلاّ الظّن
فهي مرجّحات ظنيّة صارت مرجّحة لهذه الظّنون مسلّم و لكن لا يلزم منه كون
ترجيحها ظنيّا فإنّه لا تنافي بينكون الشّيء مفيدا للظّن بشيء و لم يكن
منه و كان مرجّحا قطعيّا لآخر فإنّ كون الشّيء مرجّحا غير كونه واجب العمل
مع أنّ الثّابت من بطلان التّرجيحبلا مرجّح إنّما هو إذا لم يكن مرجّح
أصلا لا قطعيّ و لا ظنّي و إن أريد أنّ ترجيحها ظنّ فهو فاسد فإنّ الطّرف
الّذي فيه الأدلّة الظّنيّة أرجح قطعاعلى الطّرف الفاقد لها هذا كلّه مع
أنّ اللاّزم من عدم المرجّح هو التّخيير دون الحكم بحجيّة الجميع انتهى
ما أردنا نقله و أنت بعدالإحاطة بما ذكرنا تعرف وجوه النّظر فيه فإنّك قد
عرفت أنّ رجحان المظنون على غيره في وجداننا و كذا اختلاف الظّنون من
الحيثيّاتالتي ذكرها في وجداننا لا يوجب الرجحان في نظر الشارع و في حكمه
بحجيّة الظّن المستكشف من دليل الانسداد بحيث يحكم العقل به فإنّ
مناطالتّرجيح و التّعميم على تقرير الكشف إنّما هو في حكم الشارع كما أنّ
ما ذكره من أنّ اللاّزم من عدم المرجّح هو التّخيير لم يعلم له معنى محصّل
فإنّ لازم عدمالتّرجيح بين الدّليلين المتعارضين هو التّخيير عند
المجتهدين لا أنّ لازم كلّ الاحتمالين و لو لم يكونا متنافيين التّخيير نعم
قد عرفت احتمالالتّخيير و إمكانه و أين هذا من كونه لازما لعدم التّرجيح
هذا مع منافاة ما أفاده في المقام لما ذكره في معنى القاعدة عند
الاستدلالبها على حجيّة الظّن مطلقا من جانب القائل بها فإنّه بعد نقل
كلام بعض المحقّقين الموردين على التمسّك بقاعدة قبح ترجيح المرجوح
علىالرّاجح و إثبات حجيّة الظّن و أنّ غاية ما يستفاد منه لزوم العمل
بالرّاجح عند الدّوران في الجملة قال و يرد على الدّليل أيضا أمّا أوّلا
فبأنّه إن أريد أنّه يقبح ترجيح المرجوح و يجب ترجيح الرّاجح مطلقا فهو
ممنوع و إن أريد أنّ ترجيح بعض المرجوحات قبيح فهو مسلّم و من أين علمأنّ
محلّ النّزاع منه و أمّا ثانيا
فبأنّ غاية ما دلّ عليه الدّليل أنّ ما ظنّ وجوب فعله مثلا لكون فعله ذا
صفة راجحة هي كونهمظنون الوجوب يجب ترجيح فعله فنقول إنّه يجب لو لم يشتمل
تركه على صفة راجحة أخرى و إلاّ فلا يثبت إلاّ ترجيح الفعل إذا لم يكن
فيالتّرك رجحان من جهة أخرى و أمّا إذا كان له مرجّح كأن يكون موافقا
لمدلول خبر و إن لم يفد الظّن فلا شكّ أنّه حينئذ ذو صفة زائدة ليست فيطرف
الفعل فلا يقبح ترجيح التّرك إلى أن قال و أمّا ثالثا
فبأنّ ما اتّفق عليه العقلاء و يعاضده الدّليل هو قبح ترجيح ما علم
مرجوحيّتهفي الواقع و الكلام فيما نحن فيه فيما كان راجحا أو مرجوحا في
نظر الظّان و لا يحكم العقل بقبح ترجيح ما كان مرجوحا في نظر شخص لجواز
رجحانه في الواقعو التّوضيح أنّ الكلام في أنّ الشارع هل أوجب علينا الأخذ
بالطّرف الرّاجح عندنا أم لا فإنّه معنى حجيّة الظّن فنقول إذا كان
شيءعندنا راجحا و لم يحتمل أن يكون مرجوحا في الواقع قبح من الشارع الأمر
بأخذ المرجوح و إن احتملنا أن يكون مرجوحا بحسب الواقع فلا يقبح من
العالمبالواقع الأمر بأخذ المرجوح عندنا فترجيح الشارع ما هو مرجوح عندنا
ليس بقبح على الإطلاق و لذا ترى أنّه أمر بالأخذ بخلاف الرّاجح عندنافي
كثير من الموارد فمن أين يعلم أنّ ما نحن فيه من الأوّل انتهى كلامه
رفع مقامه و أنت خبير بأنّ ما أفاده قدس سره لا يجامع مع ما ذكره