و من الطرق العلميّة العقلية إلى معرفة الحقيقة و المجاز صحة السلب و عدمها
، فالثاني علامة للأول، و الأوّل للثاني، و قد عبّر عنهما العضدي بصحة النفي و عدمها، و قال: الأولى زيادة قيد في نفس الأمر احترازا عن مثل قولهم للبليد: ليس بإنسان [1].
و أورد عليه المحقق القمي (رحمه اللّه) بأنّ القيد غير محتاج إليه، لأنّ المراد صحة سلب المعاني الحقيقية حقيقة، و الأصل في الاستعمال الحقيقة [2].
و فيه: أنّ كون المراد صحة سلب المعاني حقيقة لا يغني عن القيد، بل لا بدّ من أخذه في الكلام ليدلّ على المراد.
و أمّا قوله: فالأصل في الاستعمال الحقيقة، فإن أراد به تشخيص القضايا السّلبية الخارجية، كقولهم: البليد ليس بحمار، أو أنّه ليس بإنسان، و أمثالهما، بأن يكون المراد أنّ الظاهر- من تلك القضايا السّالبة- السلب بحسب الواقع، و بعنوان الحقيقة، لا المسامحة، لأنّ السلب حقيقة في ذلك، و الأصل في الاستعمال الحقيقة، ففيه: أنّ ذلك لا يرتبط بما نحن فيه بوجه، لأنّ الكلام في دلالة قول العلماء: إنّ صحة السلب علامة للمجاز، على أنّ المراد بالسلب هو بعنوان الحقيقة و الواقع، و أين هذا من القضايا السالبة؟! و إن كان المراد تشخيص، و تعيين المراد من قولهم ذلك، و إثبات ظهوره في السلب الحقيقي، نظرا إلى أن مادة السلب ظاهرة في السلب بعنوان الحقيقة، لأنه معناه الحقيقي، و الأصل استعماله في كلامهم فيه، فيكون قولهم: صحة السلب- ظاهرا- في السلب بعنوان الحقيقة و الواقع، فهو متجه.
ثم إنّ العضدي إنما هو تعرض لصحة السلب التي هي علامة المجاز، و سكت عن علامة الحقيقة، و أورد عليها بلزوم الدور [3].
[1] شرح المختصر للعضدي، مخطوط: و إليك نصّه: أقول قال الأصوليّون نعرف المجاز بالضرورة بأن يصرّح أهل اللغة باسمه أو بحدّه أو بخاصته، و بالنّظر بوجوه، منها صحّة النفي في نفس الأمر كقولك للبليد ليس بحمار، و إنّما قلت في نفس الأمر ليندفع ما أنت بإنسان لصحّته لغة.
[2] في القوانين: 18، قال: و زاد بعضهم في نفس الأمر احترازا عن مثل قولهم للبليد ليس بإنسان و لا حاجة إليه لأنّ المراد صحة سلب المعاني الحقيقيّة حقيقة و الأصل في الاستعمال الحقيقة فالقيد غير محتاج إليه و إن كان مؤدّاه صحيحا في نفس الأمر.
[3] شرح المختصر للعضدي في علائم الحقيقة و المجاز و إليك لفظه: المراد بصحّة سلبه سلب كل ما هو معناه حقيقة لأن معناه مجازا لا يمكن سلبه و سلب بعض المعاني الحقيقيّة لا يفيد لجواز سلب بعض المعاني الحقيقيّة دون