فإذا عرفت الحال في المقامات الثلاثة، فنسوق الكلام إلى رابعها فنقول:
إن الأقوال فيه أربعة:
الحمل على الحقيقة، و هو لأبي حنيفة.
و الحمل على المجاز مطلقا، و هو لأبي يونس.
التوقف، و هو للمشهور.
التفصيل بين أقسام المجاز المشهور، و هو لبعض [1] من الأصوليين.
و الأقوى هو قول المشهور، و الّذي يتمسك به لهم وجوه ثلاثة بين صحيح و معيب:
الأوّل: أنّ الوضع مقتض لحمل اللّفظ على الحقيقة، لا علة له، فيشترط في عليته من إحراز عدم القرينة الصّارفة، التي هي المانعة عنه، إمّا بالقطع، أو بأصالة عدمها، و كلاهما مفقودان فيما نحن فيه:
أمّا العلم بعدم القرينة، فلأنّ المفروض احتمال كون الشهرة قرينة.
و أمّا أصالة عدمها، فلأنها لا تجري في المقام، لأنّ الشك في قرينية الموجود الّذي هو الشهرة، لا في نفس القرينة.
و بعبارة أخرى، القرينة موجودة لا يجري فيها الأصل، إنّما الشك في صفتها- أعني كونها معتمدة عند المتكلم في إرادة خلاف الظاهر- و الأصل أيضا لا يجري في نفي تلك الصفة، لأنّه أصل في صفة الحادث، و هو من الأصول الغير المعتبرة عند العقلاء.
الثاني: تسليم سببية علقة الوضع لما ذكر، لكنها قد ضعفت لكثرة استعمال اللفظ في المعنى المجازي.
الثالث: و هو الّذي ينبغي أن يعتمد عليه، أنّ العلقة الوضعيّة الحاصلة بين اللفظ و المعنى الحقيقي، و إن كانت علة لظهور اللفظ فيه، و حمله عليه، إلاّ أنّها قد ضعفت الآن، بسبب غلبة استعمال اللفظ في المعنى المجازي، فيسقط اللفظ عن ظهوره في إرادة المعنى الحقيقي، فلا يحمل عليه.
و أمّا عدم حمله على المعنى المجازي، فلأن الشهرة لا تكون قرينة معيّنة في المشتركات- كما ذكروا- فكيف تكون قرينة صارفة للّفظ عن إرادة المعنى الحقيقي؟
[1] و هو العلامة المحقق الشيخ محمد تقي (قدس سره) في هداية المسترشدين: 40، 46.