التفهيم على ذلك، بيانه على ما في المنية [1]: أنّ المجاز ليس أصلا، أي راجحا على الحقيقة إجماعا، فإذا لم يكن مرجوحا كان مساويا للحقيقة، فيتردّد السامعون بين المعنى الحقيقي و المجازي، و لا يفهمون شيئا إلاّ بعد البحث و الاستكشاف، و أمّا بطلان التّالي فبالوجدان.
الثاني: ما ذكره أيضا فيهما من أنّ حمل اللّفظ على المجاز لا يجوز، لأنّه يلزم أن يكون حقيقة إذ لا معنى للحقيقة إلاّ ذلك، و زاد السيّد العميدي، و لأنّ شرط الحمل على المجاز نصب القرينة و المفروض انتفاؤها.
الثالث: ما ذكره أيضا من أنّ المجاز يتوقف على وضع، و نقل، و علاقة، و لا تتوقف الحقيقة إلاّ على الأوّل، فيكون أولى، و كأنّه أراد أنّ قلة المؤن مما يؤثر في إرادة المتكلم، فيكون ما يحتاج إلى كثرة المؤن أبعد عن إرادته.
هذا، و في الكلّ تأمّل، لأنّ القدر الثابت بتلك الوجوه بعد تسليمها إنّما هو رجحان الحقيقة، و الكلام في اعتبار هذا الرجحان، بحيث يوجب حمل اللفظ عليها، و إلاّ فيرد على الوجه الثاني مضافا إلى ذلك بأنّه مصادرة محضة، فإنّ كون اللفظ المجرد محمولا على الحقيقة عين المدّعى، و على الوجه الثالث مضافا إلى ما ذكر- أيضا- أنّ قلة المؤن
[1] منية اللبيب للعميدي مخطوط، في البحث التاسع من مباحث الحقيقة و المجاز، و إليك نصّه:
أقول قد اشتمل هذا البحث على مسائل أربع:
الأوّل في أن المجاز على خلاف الأصل و يدل عليه ثلاثة أوجه.
أوّلها أنه لو لم يكن كذلك لم يحصل التفاهم حال التخاطب بالألفاظ الّتي لها مجازات يمكن إرادتها و التالي باطل فالمقدّم مثله، أمّا الملازمة فلأنّ المجاز ليس أصلا أي راجحا على الحقيقة إجماعا فإذا لم يكن على خلاف الأصل أي مرجوحا كان مساويا للحقيقة و حينئذ يتردد سامعو اللّفظ بين معناه المجازي و الحقيقي فلا يفهمون شيئا منهما إلاّ بعد البحث و الاستكشاف و أمّا بطلان التالي فبالوجدان.
و ثانيها: أنّ اللّفظ إذا تجرّد عن القرينة فإمّا أن يحمل على حقيقته أو مجازه أو عليهما معا أولا على واحد منها و الثلاثة الأخيرة باطلة، فمقتضى الأوّل إمّا بطلان حمله على المجاز فلأنّ شرطه وجود القرينة و حيث انتفت انتفى و لأنّ الواضع لو أمر بحمل اللفظ عند تجرّده عن القرنية عليها لكان المجاز حقيقة، إذ لا معنى للحقيقة إلاّ ذلك، و إمّا بطلان حمله عليهما معا فلأنّ الواضع لو قال احملوه عليهما لكان اللفظ حقيقة في المجموع، و لو قال احملوه على هذا و ذاك كان مشتركا و التقدير خلاف ذلك و أمّا بطلان عدم حمله على شيء منهما فلأنّه يلزم تعطيل اللفظ و إلحاقه بالمهملات فظهر تعيّن حمله على الأوّل و هو المطلوب.
و ثالثها: أن المجاز يتوقف على نقل لفظ عن معنى موضوع له إلى غيره لعلاقة بينهما فهو لا محالة يستدعى أمورا ثلاثة، وضعه أوّلا لمعنى، و نقله عنه إلى غيره، و علاقة بين المعنيين، و الحقيقة إنّما تتوقف على الأوّل خاصّة فكانت أرجح.