الجنون على ما يظهر من كتب الاطباء وكلماتهم ليس علما لمرض شخصي معين بل هو اسم لجميع الامراض الدماغية الباعثة لاختلال العقل وفساده ويعبرون عنها بفساد العقل اعم من ان يكون الفساد في نفس القوة العاقلة أو في قواها الخادمة لها كالمفكرة والمخيلة وغيرها ولها انواع مختلفة واثار متشتتة متفاوتة ومن هنا قيل الجنون فنون وبما ذكرنا من كون الجنون هو فساد العقل صرح في كتب الفقهاء ايضا قال في المسالك وهو أي الجنون يتناول باطلاقه لجميع اقسامه فان الجنون فنون والجامع بينها فساد العقل كيف اتفق وقال في الروضة البهية الجنون فنون والجامع لها فساد العقل على أي وجه يكون وقال العلامة في التحرير الجنون هو فساد العقل وقال بعض مشايخنا في شرحه على النافع الجنون وهو فساد العقل المستقر الغير المستند الى السهو السريع الزوال والاعمآء العارض مع غلبة المرة وصرح بذلك غيرهم ايضا واما السفاهة فهى عبارة عن خفة العقل ونقصانه وعدم كماله بالنسبة الى عامة اهل المعاش والمحاورات أي بالنسبة الى العقل المحتاج إليه في طريقة المعاش والمعاملات والمصاحبة مع اهل المحاورات أو العادات كما يشهد به العرف وصرح به اللغويون والمفسرون قال في النهاية الاثيرية السفة في الاصل الخفة وقال الهروي في تفسير قوله سبحانه فان كان الذى عليه الحق سفيها أي خفيف العقل وفى القاموس السفه محركة وكسحاب وسحابة خفة الحلم ونقصه وفيه ايضا الحلم بالكسر العقل وقال في الصحاح السفه ضد الحلم واصله الخفة والحركة وقال البيضاوى في قوله تعالى انؤمن كما امن السفهآء السفه خفة وسخافة راى يقتضيهما نقصان العقل والحلم يقابله وقال في قوله سبحانه سيقول السفهآء من الناس أي الذين خفت احلامهم وقال بعض اخر ايضا السفهآء في هذه الآية بمعنى خفاف العقول وبالجملة كلمات اللغويين والفقهاء متطابقة في تفسير هذين اللفظين بما ذكر من ان الجنون هو فساد العقل وضياعه وخلله واختلاله والسفاهة خفة العقل وردائته ونقصانه وسخافته والعرف ايضا يساعد ذلك ويدل عليه فان كل من فسد عقله واختل يحكم اهل العرف بكونه مجنونا وكل من خف عقله وردء يحكمون بكونه سفيها ويحكمون بانه ليس فاسد العقل ولكنه خفيف العقل وقد صرح المحقق الشيخ على في مسألة عدم اجبار السفية على النكاح بانه بالغ عاقل وان اردت معرفة التفرقة بين فساد العقل وخفته ونقصه فقسه بالامور المحسوسة واطلاق الفساد والنقص فيها فان اللؤلؤة إذا خرجت من الصدف فتارة تكون فاسدة ضايعة اما لاجل كونها مسودة أو بحيث يتفتت اجزائها إذا فركت باليد واخرى يكون غير حسنة نحو ان قل صفائها ونحو ذلك وانظر الى البطيخة فانها إذا كانت بحيث خرجت عن طبيعها الاصلية وحدث فيها امر مفسد له كالمرارة أو الديدان أو العواريق انها فاسدة وإذا لم يكن كذلك ولكن كانت انقص من امثالها من البطايخ اما لقلة حلاوتها أو قلة لطافتها يقال انها ناقصة أو ردية سوآء كان ذلك النقص لاجل عدم بلوغه اوان الكمال في اوائل نموه اولاجل كون ذاته كذلك كالبطايخ الغير الحلوة وما كان من القسم الاول يطرح ولا يكون لها طالب الا إذا كان فساده قليلا بحيث لا يعبأ به أو يكون بعض اجزائها غير فاسد وما كان من القسم الثاني يحفظونه ويطلبونه وان نقصت قيمته عن الحلو اللطيف وقل طالبه بالنسبة