قد مرّ في مقدّمة مبحث القطع و البراءة: أنّ مجرى الاستصحاب ما إذا شكّ في بقاء أمر بعد فرض تحقّقه، إلّا أنّه إجمال موضوعيّ، و البحث التفصيليّ عنه قد حان حينه، و نستعين اللّه تعالى توفيق الاهتداء إلى الحقّ فيه، إنّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
و قبل البحث عن الاستدلال عليه تقدّم امور:
[تعريف الاستصحاب]
الأوّل: انّ القائلين باعتبار الاستصحاب و إن فرض أنّهم مختلفون- من حيث إنّ اعتباره على نحو الأماريّة أو في قالب أصل عملي، و من حيث إنّ دليل اعتباره هل هو السنّة أو الإجماع أو سيرة العقلاء عملا أو حكمهم باعتباره ... إلى غير ذلك- إلّا أنّهم مشتركون في أنّ القول باعتباره يؤدّي إلى الاعتراف و التصديق بقضيّة كلّية هي: «أنّ كلّ شيء وجد ثمّ لم يعلم بقاؤه و ارتفاعه فهو باق» غاية الأمر أنّ هذه القضيّة على الأماريّة نتيجة قيام طريق معتبر عليها، و على كون الاستصحاب أصلا عمليّا مفاد أصل عمليّ، و هذا الاختلاف لا يمنع عن وحدة مفهوم القضيّة، بل هو كما اذا قيل: «هذا الماء طاهر» فإنّ له مفهوما واحدا يصدق بقيام أمارة على طهارته أو دلالة كلّ شيء طاهر عليها.
و بعد ذلك نقول: لا يبعد دعوى أنّ حقيقة الاستصحاب ليست إلّا هذه القضيّة الكلّية بغضّ العين عن الخصوصيات و القيود التي ربما تقتضي الأدلّة اعتبارها