دعوى انصرافها عن محلّ الكلام؛ و ذلك أنّ محلّ الكلام إنّما هو أمر لو عمد المكلّف إلى تركه في حالة القدرة عليه لما كان الإتيان بما بقي نافعا أصلا، فإنّ المفروض أنّ الواجب مركّب ارتباطيّ.
و من ناحية اخرى: إنّ مفاد الأحاديث الثلاثة أعني أنّه لا ينبغي للإنسان الاعتذار عن ترك كلّ الشيء بعجزه عن إتيان جزء منه، بل عليه أن يأتي بما أمكنه منه قاعدة عقلائيّة في الأقل و الأكثر الاستقلاليّين، و حينئذ فإذا القيت هذه الأحاديث إلى العقلاء لما فهموا منها أنّها بصدد الفرق في المركّب و المشروط بين حالتي القدرة على إتيان الجزء و الشرط و العجز عنه و أنّ الاكتفاء بالمقدار المقدور عليه مجز في حال العجز و إن لم يجز في حالة القدرة، بل إنّهم يرون الأحاديث منصرفة إلى تلك القاعدة العقلائيّة الدارجة في الاستقلاليّات، و أن فيها «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه».
مضافا إلى أنّ للنبوي صدرا يكون قرينة على إرادة غير هذا المعنى المراد، كما أفاده صاحب الكفاية، فراجعها و راجع سنن البيهقي باب وجوب الحجّ مرّة واحدة [1]، و غيرها، و اللّه العالم.
[7- حكم الشكّ في جزئية شيء و مانعيته]
الأمر السابع: اذا دار الأمر بين كون شيء شرطا أو جزءا، و كونه مانعا أو قاطعا فالعلم الإجماليّ بتقيّد الواجب بأمر حاصل، إلّا أنّه دائر بين وجود ذاك الشيء و عدمه، و حيث إنّه لا جامع أصلا بينهما، و الاحتياط و لو بالتكرار ممكن، فالعقلاء يحكمون بوجوب الموافقة القطعيّة، و قد عرفت- أوائل البحث عن الشكّ في المكلّف به- أنّ المستفاد من الأدلّة السمعية أنّ هذا الحكم العقلائيّ ممّا قد أمضاه الشارع أنّه مع هذا الإمضاء فلا مجال لشمول أدلّة البراءة الشرعيّة لشيء من الطرفين، و حينئذ فالتحقيق أنّ إجراء أصالة البراءة الشرعيّة هنا و إن كان لا محذور فيه، من حيث انحفاظ رتبة الحكم الظاهريّ و وجود موضوعه، كما