طاعة تكليف آخر، ربما كان ما يلزمها من الانقياد و الامتثال أقوى ممّا يترتّب على هذا التجرّي، فما عن الفصول هنا من التفصيل ممّا لا وجه له.
الثالث: قد ظهر ممّا مر حكم الانقياد، و أنّه يوجب ابتغاء الثواب و لياقته على نفس العمل الخارجي بلا لزوم محذور أصلا. نعم، إنّ مرحلة و مرتبة من هذه اللياقة و الابتغاء متحقّقة في القصد و العزم على الإطاعة أو الانقياد و إن انفك عن العمل، فإنّ إعطاء الثواب و الجزاء الحسن للقاصد و العازم أيضا ممّا يدعو الى تكامل العباد، فيستحسن من اللّه خالقهم الذي لا يرضى لعباده إلّا الحسن.
بل لا يبعد أن يقال: بأنّه لو حرم القاصد للمعصية أو التجرّي بعض الإحسانات و المراحم الابتدائية لكان واقعا في محلّه أيضا، فالعازم و إن لم يستحقّ العقاب إلّا أنّه يستحقّ- بمعنى الابتغاء- حرمان بعض المراحم و الإحسانات الابتدائية.
الرابع: قد ظهر ممّا ذكرناه: أنّ ما ذكرناه في التجرّي لا يختصّ بما اذا حصل للمكلّف قطع بالتكليف غير مطابق للواقع، بل يجري في كلّ أمارة غير واثقة و لا مطابقة للواقع، بل و في كلّ حجّة غير مطابقة للواقع، و وجهه ظاهر. نعم، اذا كان مجرّد قيام الأمارة أو الحجّة الاخرى تمام موضوع لحكم إلزاميّ واقعي فهو يخرج عن موضوع التجرّي، و يكون من مصاديق العصيان الحقيقي، فلا تغفل.
الأمر الثالث أقسام القطع و أحكامها
القطع: إمّا طريقيّ محض، و هو ما كان الأثر مترتّبا على متعلّقه. و إمّا موضوعيّ يكون دخيلا في موضوع الحكم و الأثر.
و الموضوعي: إمّا تمام الموضوع، و إمّا جزءه أو قيده. و كلّ منهما: إمّا يؤخذ في الموضوع بما أنّه أحد الطرق المعتبرة، و إمّا يؤخذ فيه بما أنّه كاشف تام بنفسه عن متعلّقه، و إمّا يؤخذ بما أنّه صفة نفسانية للقاطع قبال السخاء و الشجاعة