بالخصوص، بل إطلاقها يقتضي جواز كليهما، فإنّ من فعل المأمور به فورا يكون ممتثلا، و هو واضح، و إن لم يأت به فورا فهو- مع أنّه لا يعدّ عاصيا- موظّف بإتيانه، و إطلاق هيئة الأمر حجّة عليه.
نعم، هاهنا نكتة لا بدّ من التوجّه اليها و هي: أنّ التقييد بالفور أو التراخي هل هو تقييد لمفاد الهيئة أو المادّة؟
الّذي ينبغي أن يقال: إنّه لا ريب في أنّ التقييد بالزمان و المكان مطلقا ليس و زانه و زان القيود الواردة على المادّة، فإنّ الارتكاز شاهد على أنّ مفاد قول المولى «صلّ يوم الجمعة، أو في المسجد»- مثلا- ليس كمفاد قوله: «اضرب شديدا»، و «صلّ مع الطهارة»، حيث إنّ المفهوم من الأخيرين هو البعث نحو إتيان الضرب الشديد، و الصلاة التي مع الطهارة، بخلاف الأولين فإنّ المفهوم منهما إنّما هو البعث نحو نفس الصلاة، إلّا أنّه يجب إتيانها في الزمان أو المكان المخصوص.
و حلّ المطلب: أنّه قد تقدّم أنّ مفاد الهيئة في صيغ الأوامر نظير مفادها في الأفعال الأخر: الماضي أو المضارع، فكما أنّ مفادها في الأفعال الأخر الحكاية عن الإتيان- حكاية تصديقية- فهكذا مفادها في صيغ الأمر البعث نحو الإتيان، بحيث يصحّ له بعد العمل و الإطاعة الإخبار عن نفسه بفعل ماض مادّته مادّة هذا الأمر، و المادّة في جميعها إنّما تدلّ على نفس الحدث، و عليه فليس مفاد الهيئة في الأمر هو البعث و الإيجاب ليس إلّا، بل هو البعث نحو الإتيان، و المادّة إنّما تدلّ على ما يأتي به، و قيد الزمان و المكان كأغلب القيود يرجع الى هذا الإتيان المدلول عليه بالهيئة، و يبيّن ظرفه الزماني أو المكاني، فالقيد قيد للهيئة و مع ذلك فهو قيد ظرفيّ للمطلوب لا للطلب، بخلافه في الواجب المشروط، فإنّ التحقيق- على ما سيأتي- أنّ الشرط قيد الهيئة و للطلب المدلول عليه بها، فافهم و اغتنم.
ثمّ إنّه قد استدلّ على وجوب الفور في الأوامر الشرعية بما دلّ من الآيات و الآثار على البعث نحو المسارعة و المسابقة الى المغفرة و الاستباق الى الخيرات