و استند سيّدنا الاستاذ الإمام الراحل (قدّس سرّه) بمثل ما استند اليه في إثبات الوجوب بالصيغة، من أنّ العقلاء يرون طلب المولى حجّة على العبد في إرادة الوجوب النفسيّ العينيّ التعييني [1].
و ما أفاده من حكم العقلاء به صحيح، إلّا أنّ رجوعه الى بناء عقلائيّ محض، إنّما يصحّ اذا سلّم اتّحاد مفهوم اللفظ في جميع الأقسام المذكورة و مقابلها، كما هو كذلك في مفاد الهيئة بالنسبة لإرادة الواجب و المندوب، فإنّ مفادها ليس إلّا البعث نحو الإتيان في الواجب و المندوب كليهما. إلّا أنّه في محلّ الكلام غير مسلّم.
و ذلك أنّ التحقيق: أنّ مقتضى وجوب شيء عند العقلاء لزوم أن يؤتى بذلك الشيء، كما أنّ مقتضى وجوبه على مكلف لزوم أن يأتي ذلك المكلّف به، من دون فرق بين أقسام الواجبات، غاية الأمر أنّ الشيء الواجب في الوجوب التعيينيّ أمر خاصّ، و في الوجوب التخييريّ أحد الامور، فيلزم إتيان الأمر الخاصّ في التعييني، و أحد الامور في التخييري، و هكذا يكون المكلّف شخصا خاصّا في العيني، و جماعة في الكفائي، و يلزم إتيان الشخص الخاصّ بما وجب عليه في العيني، و إتيان الجماعة بما وجب عليهم كفاية في الكفائي.
و حينئذ نقول: إذا كان المتكلّم في مقام بيان متعلّق التكليف و مكلّفه، و اقتصر على عمل خاصّ و مكلّف معيّن، كان مقتضى الإطلاق هنا- كسائر الموارد- أنّ العمل الخاصّ المذكور هو كلّ الموضوع لتكليفه، و أنّ المكلّف المعين هو كلّ من وجب عليه، فكان إتيان العمل المخصوص واجبا، و الإتيان على الشخص المعيّن أيضا واجبا، فالإطلاق في كلّ الأقسام يعيّن نوع الوجوب و يكون بناء العقلاء ناشئا عنه مستندا اليه. و الحمد للّه وحده و هو الموفق.