و توهّم كفاية إطلاق دليل البراءة اللفظيّة لكشف الادعاء اللازم في ظرف وجود المانع، غير صحيح على المشهور بينهم: من أنّها أصل عمليّ [1]، و أمّا على ما سلكناه- من كونه دليلا حاكما على الأدلّة الأوّلية، و تصرّفا في الواقع- فلا بأس به.
و يمكن أن يقال: إنّ البراءة الشرعيّة حسب المشهور غير جارية، و لكن البراءة العقليّة و العقلائية جاريتان؛ ضرورة أنّ المأتيّ به صلاة و عمرة و حجّ و هكذا عند العرف و العقلاء، و عند وجود المانع نحتاج إلى الادعاء، و هو غير ثابت، فالعقوبة من هذه الناحية في غير محلّها.
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الاستصحاب- لاحتمال وجود المانع- بقاء الأمر و جواز العقوبة. إلّا أن يعارضه استصحاب عدم وجود المانع، أو مانعيّة الموجود، و هو مقدّم على ذلك؛ لأنّه مسبب عنه. إلّا أنّه ربّما لا يكون للاستصحاب السببيّ حالة سابقة، كما لا يخفى.
أو يقال: إنّه مطلقا غير جار؛ لكونه مثبتا، كما تكون البراءة الشرعيّة مثبتة، فلو قلنا بحجّية الاستصحاب المثبت- كما هو الأقرب تبعا للشهرة القديمة، و اقتضاء للصناعة العلميّة- لا يكون تقدّم هذا الاستصحاب على الاستصحاب الحكميّ واضحا؛ لتعارضهما في محطّ يكون بالنسبة إلى الاستصحاب السببيّ لازما، و بالنسبة إلى الاستصحاب المسبّبي موردا، و قد حرّرنا في التعادل و الترجيح إمكان تقدّم أحد العامّين من وجه علي الآخر؛ إذا كان تعارضهما بهذا النحو [2]، فليتأمّل.
[2]- لم تصل هذه الدورة من بحوثه الاصولية إلى مباحث التعادل و الترجيح و لعلّه (قدّس سرّه) قرّر هذه المباحث في المختصر النافع في علم الاصول و هو مفقود أو في رسالة مستقلّة لم تصل إلينا.