و توهّم: أنّه ربّما تكون في الواجبات القطعيّة ألسنة الروايات مختلفة، كما في مثل الصوم و الصلاة، غير نافع؛ لأنّ وجوبها ضروريّ، و لا يستكشف من الآثار و الأخبار، فلا يضرّ به اختلاف المآثير، بخلاف الوجوب المشكوك، كما نحن فيه.
ثمّ إنّ شريعة الإسلام شريعة سهلة سمحة، لها المبادئ المختلفة، و بحسب تلك المبادئ المختلفة تختلف الآثار و الأخبار، مثلا من المبادئ ملاحظة سياسة المدن و المنزل، و ملاحظة سهولة الأمر على المسلمين، و ترغيب الناس في الإسلام، فإذا كان هذا مبدأ فلا يصدر منه إلّا «كلّ شيء حلال» [1] و «كلّ شيء طاهر» [2] و «رفع ... ما لا يعلمون» [3] و أمثالها.
و حيث إنّه شرع يحافظ على مصالح العباد الروحيّة و الجسميّة الفرديّة، و يلاحظ أنّ الترغيب المذكور ربّما يوجب التهتّك، فيصدر بمبدئيّة ذلك أوامر التوقّف و الاحتياط، و أنّ «ما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجهه فنل منه» [4].
فلا تهافت بين هذه الروايات؛ لاختلاف تلك المبادئ الراجعة إلى سياسة كلّية لازمة، و سياسة فرديّة راجحة، أو لازمة في المجموع، لا بلحاظ الضرر فردا، فإنّه إذا كان المولى يجد تجنّب جمع ندبا عن الشبهات، فله الأمر الندبيّ به و لو كان لازما في الجملة؛ لوصوله إلى مقصوده، فلا تخلط.
ثمّ إنّه لا وجه يعتنى به للتفصيل بين الشبهات التحريميّة الحكميّة
[1]- الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118- 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61.
[2]- المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 4.