و الّذي هو الحقّ: أنّ الرواية المستند إليها، إن كانت ظاهرة على خلاف الشهرة العمليّة، فيعلم من وجود الشهرة قيام القرائن الظاهرة، و إلاّ لما كان وجه لفهم الجلّ ما هو خلاف الظاهر بعد بنائهم على الاجتهاد، و عدم اعتماد المتأخّر على المتقدّم في الرّأي و الإفتاء، و لذلك اختلفت فتاوى الأساتذة و التلاميذ كثيرا.
و أمّا لو كانت غير ظاهرة، بل كانت قابلة لفهم جلّ منها شيئا، و الآخرين منها شيئا آخر، فالسند منجبر دون الدلالة، و ذلك لأنّ انجبار السند مستند إلى القرائن الواضحة، و أمّا الاتفاق على الدلالة فهو مستند إلى فهمهم من الكلام.
و توهّم: أنّ انجبار السند بلا وجه، بعد إمكان اختلاف أفهامهم في فهم المتن و الحديث، غير مضرّ، لأنّ مجرّد الإمكان غير كاف.
و ما قيل: «قد اتفق في الفقه، اختلاف فهم المشهور و المتأخّرين في مسألة «أخبار ماء البئر» فهو لأجل الاجتهادات المخصوص بها المتأخّرون، مع كثرة الأخبار في المسألة [1] التي ربّما لا يصل إليها القدماء، لعدم وجود الوسائل الكافية عندهم.
هذا مع أنّ مجرّد المورد الواحد أو الموردين، لا يضرّ بما ذكرناه حسب الطبع، و لذلك نجد البناءات العقلائيّة على الاتكال على فهم المشهور، و يعدّون المتردّد في الأمر و الشاكّ في صحّة الاستناد، خارجا عن المتعارف.
و غير خفيّ: أنّ كثيرا ممّا ينسب إلى الشهرة القديمة، ثمّ يخالفها المتأخّرون، ليست منها بعد المراجعة، و لا يمكن تحصيلها. و الاشتهار في الفتوى في الفروع المستحدثة في كلمات أمثال الشيخ، و من يقرب من عصره، أو يتقدّم عليه أحيانا، لا يكفي، لأنّه معلوم وجه استنباطه.
[1]- وسائل الشيعة 1: 170- 200 كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14- 24.