قلت: نعم، و كذلك البراءة الشرعية، و ليست من الحجج العرفية، إلا أن هذا أيضا من الخلط بين ما هو مرام الباحث في البحث، و بين ما هي الجهة المبحوث عنها، فإن من القوم من يقول بحجيته لأجل البناء العقلائي [1]، أو لأجل إمضاء الشك و تتميمه لكشفه الناقص [2]. و كون دليله عند المتأخرين منحصرا في الأخبار [3]، لا يضر بما هو المرام في المقام.
و من هنا يظهر حال التمسك بدليل شرعي للبراءة، فتأمل، و الأمر سهل.
و من هنا يظهر: أن القول بأن المراد من «المكلف» هو المجتهد [4]، ليس كما ينبغي، لأنه ليس للاجتهاد خصوصية، و إن كان الباحث عن تلك المسائل لا بد و أن يكون عارفا بها، و لكنه يمكن أحيانا أن لا يكون مجتهدا حسب الاصطلاح، لعدم اطلاعه على الفقه كلا، أو لكونه غير واجد لسائر ما يعتبر في الاجتهاد اصطلاحا، فلا تخلط.
و توهم: أن خطاب «لا تنقض ...» كذا و كذا [5]، ناشئ عن الغفلة عن أنه ليس بخطاب شخصي، و لا بإيجاب نفسي، بل هو حكم على عنوان كلي ربما لا يكون خطاب فيه، مثل ما إذا ورد: «من كان على يقين فشك ...» [6] فإن موضوعه أعم، إلا أن إحراز الموضوعية ربما يكون منوطا ببعض الشرائط، كما لا يخفى.