آخر على اشتراك الناس في مطلق الأحكام، فالهدايات و الإرشادات القرآنيّة أعمّ من الاهتداء الاعتقاديّ و العمليّ، فيكون الكفّار مكلّفين طبعا.
إن قلت: لا معنى لكون الفرع إرشادا بعد توقّفه على الأصل وجودا و صحّة.
قلت أوّلا: ليس مطلق الفروع متوقّفة على الأُصول، فإنّ المحرّمات- إلاّ العباديّة منها كما في الحجّ- غير مرهونة بها، و هكذا التوصّليات من الواجبات.
و ثانيا: لا يوجب التوقّف قصورا في ذلك، كما يكون المؤمن مكلّفا بذي المقدّمة و المقدّمة، و بالمشروط و الشرط و هكذا، فدعوى قصور هذه الآيات عن إفادة شركة الكفّار مع المؤمنين في الحكم و التكاليف الإلهيّة، غير جيّدة، فتدبّر جدّاً، و تأمّل تعرف.
الوجه الثالث:
لا شبهة في أنّ الكفّار مكلّفون بالإسلام و الإيمان، و إذا كان الإسلام هو الاعتقاد بالشهادتين و إظهارهما، و من ذلك الاعتقاد بما جاء به النبيّ (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) فيجب على الكافر الاعتقاد المزبور، و هل يمكن بعد ذلك دعوى: أنّه يجب عليه الاعتقاد بأنّ المؤمن مكلّف بما جاء به النبيّ (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) دون من لم يسلم و لم يؤمن بعد؟! فإنّه ضروريّ البطلان، فيعلم منه: أنّ المراد هو الاعتقاد بأنّ ما جاء به النبيّ (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) من الأحكام، عامّ مشترك فيه الناس، فتأمّل فإنّه كما ترى.
و قال في «العوائد»: «إنّ في الأخبار [1] دلالة على أنّ الإسلام و الإيمان ليسا محض التصديق، بل العمل جزء منهما أيضا، فيكونون مكلّفين» [2] انتهى.
[1]- الكافي 2: 24- 4 و 33- 2، وسائل الشيعة 1: 18 و 34، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 1، الحديث 13، و الباب 2، الحديث 13.