بقي شيء: في عدم كفاية رجوع المجتهد إلى مجرّد العامّ و الخاصّ
بناء على ما عرفت من لزوم اتباع العقلاء في أخذ الرّأي و إتمام الحجّة، تلزم مشكلة لا بدّ من حلّها: و هي أنّ ديدن أهل التحقيق و أرباب العلم في الفنون المنتهية إلى العمل، على الرجوع إلى مشاركيهم في فنّهم و معاصريهم في رأيهم، حتّى يحصل لهم الوثوق، و يطمئنّوا بما اتخذوه، و ربّما يتحمّلون المشاقّ و المصارف في محاضراتهم العلميّة، لما في صورة استكشاف الخلاف من المفاسد الكثيرة. و ما ترى في استحكام رأي المشهور ليس إلاّ لأجل تبادل الآراء عليه، و تقارن الأفكار، و اتفاقهم عليه، فإنّه يورث إبرام الرّأي و صلب المنهج، و يصعب على الآخرين التخلّف عنه.
و بالجملة: بعد ما لم يكن للشرع منهج جديد في الاحتجاجات و الاستدلالات، و لم يكن طريق بديع في ذلك، فلا بدّ من المواظبة على الطريقة العقلائيّة، و قد عرفت أنّ طريقتهم في العصر الأوّل، كانت على العمل بالإطلاق من غير انتظار لمقيّد، أو فحص عن مخصّص [2]، لا العامي، و لا العارف المبتلى بالمسألة المسئول عنها. ثمّ بناؤهم في القرون المتأخّرة و في القرون التي اجتمعت الآثار في الكتب و المخازن، كان على الرجوع إلى المخصّصات و المقيّدات و القرائن.
و أمّا في عصرنا فلا بدّ من الاهتمام بالأمر، و لا يكفي مجرّد الرجوع إلى العامّ و مخصّصه، لأنّه كثيرا ما نجد تبادل الآراء و تخلّفها عن الواقع في عصر واحد، و شخص فارد، فإذا كان ذلك كثير الدور، فلا بدّ من اتخاذ السبيل العقلائيّ و الطريقة