بعد الفراغ من الإرادة وجودا و ماهية، يقع البحث في مبادئ وجودها، و قد مر أيضا تحقيق ذلك [1]، و عرفت أن منها: التصور، و منها: التصديق بلزوم وجوده، لا بالفائدة، فإنه كثيرا ما يشك في فائدة أمر و ثمرته، و لكن بالاحتمال يريد الإنسان إيجاده.
و لكن ليس معنى ذلك، أن مع التردد اللبي في النّفس، يتمكن النّفس من خلق الإرادة، بل لا بد من الجزم بلزوم ذلك، و أن وجوده و إن كان محتملا، لفائدة أحسن من عدمه، فما ترى في كتب القوم: من اعتبار التصديق بالفائدة [2]، إن كان معناه ذلك فهو، و إلا فهو ليس من المقدمات الحتمية.
و ليس منها الشوق و الميل النفسانيّ، لإقدام الإنسان على المضار التي بالقياس إلى الخيرات العالية أولى من الترك، كشرب الأدوية، و أمثال ذلك.
إن قلت: بعد إدراك توقف الخير الكثير على إرادة المكروه، يشتاق إليه النّفس، و تميل إليه و تطلبه.
قلت: قد أشير إلى أن ذلك ليس من الطيب النفسانيّ و الشوق الحيواني، بل هي الطيبة العقلائية و الميل الإدراكي [3]، و لا يمكن إرادة الشوق العقلائي فيما ذكروه من مبادئ الإرادة، لأن ما جعلوه منها أعم من المبادئ لإرادة الإنسان أو الحيوان، و هذا الدرك العالي و الطيب العقلائي غير متصور فيه.