و العجب أن الأعلام أوقعوا أنفسهم في مسألة و عويصة أجنبية عن هذه المسائل، و بعيدة عن أفهام المحققين، فضلا عن المشتغلين بالعلوم الاعتبارية!! و كأن ذلك لمجرد المساس، و لتناسب بعيد جدا، فإن من كون الأمر بمعنى الطلب، ذهب ذهنهم إلى الطلب و الإرادة، و من لفظة «الإرادة» سافر إدراكهم إلى الإرادة التكوينية و التشريعية، و من تلك الصفة إلى اختياريتها و لا اختياريتها، و من ذلك إلى مسألة الجبر و التفويض، و لما عرفت منا انقطاع رأس السلسلة، و أجنبية مادة الأمر عن مفهوم الطلب، تسقط هذه العواقب المستتبعة.
و لكن لعدم خلو كتابنا من بعض ما يقرب من أفهام المحصلين- من المسائل المربوطة في المقام هنا باللغة، و الأصول، و الكلام، دون الفلسفة العليا- نشير إلى تلك المسائل في ضمن جهات:
الجهة الأولى: في أن المسألة ليست لغوية
قد يستظهر من بعض الأفاضل: أن المسألة لغوية، و أن الاختلاف بين هؤلاء الفحول، يرجع إلى اختلاف في المفهوم اللغوي، و أن البحث في هذه المرحلة انجر إلى المقاتلة و سفك الدماء، و كان المأمون يحبس الأشاعرة أزمنة طويلة، لقولهم باختلاف الإرادة و الطلب مثلا. و لا أظن أن يتفوه به بعد ذلك أحد، فما يظهر من «الكفاية» [1] و بعض آخر [2]، في غاية الإشكال.
نعم، ربما يمكن تأييد بعض المباحث العلمية بالمتبادرات من المفاهيم اللغوية، فيقال: بأن اختلاف مفهومهما كاشف عن اختلاف الهوية و الوجود.