اعلم: أن هاهنا بيانا ثالثا للاشتغال غير البيانين الأولين: و هو أن ديانة الإسلام على التسهيل، بحيث قدم ملاك التسهيل على سائر الملاكات في كثير من المقامات، فإذا كان يرى أن جماعة من المكلفين يقعون في صعوبة التكليف الموهوم و المحتمل، و لا تجري أصالة البراءة الشرعية، لما يشترط في جريانها ما هو المفقود في المقام، فعليه عند ذلك بيان عدم اعتبار قصد القربة و الامتثال في التكاليف الكذائية، حتى لا يلزم خلاف أساس الشريعة السهلة السمحة، و إذا أخل بذلك فيعلم: أن قصد الأمر دخيل، و من الممكن عند ذلك أنه بينه، و لكن لم يصل إلينا البيان، أو كان يرى مراعاة السهولة في الجملة، لما فيه أيضا من المصلحة.
فبالجملة: من عدم تعرضه لعدم شرطية ذلك في الأوامر يعلم شرطيته، و إلا كان قضية ما مر الإشارة في آية أو رواية إلى إطلاق المرام، فلمراعاة التسهيل أجمل في المقام، أو كان قيام جماعة بهذه الطريقة في أداء الوظائف الواجبة، كافيا فيما هو مرامه و مقصوده، فإجراء البراءة العقلية مشكل بعد ذلك جدا.
ثالثها: في مقتضى أصالة البراءة الشرعية
فإن النّظر البدوي فيها يؤدي إلى جواز التمسك بها، لأنه من الشك في جزء المأمور به و إن كان خارجا عن محط الأمر، لأن المراد من «جزء المأمور به» هو الجزء الّذي يجب إتيانه و لحاظه حين الامتثال، و إن كان لا يمكن تعلق الأمر به.
و لكن ذلك يشكل من جهات:
أولها: أن كل جزء ليس قابلا للرفع إلا إذا كان قابلا للوضع، و حيث هو ممتنع وضعه فرضا، فيمتنع رفعه شرعا.