لما ارتاع هؤلاء الأجناد ، وسعى في صلاحهم الفساد ، وهالهم ما بينهم وبين طائفة الوالي من الخلاف ، وتقرّر عندهم ما يراد بهم من الإتلاف ، اجتمعوا إلى قائدهم وكان سمح الخليقة ، حسن الطريقة ، وشكوا إليه / ١٦ / ما دهم ودهى ، وقالوا إن أمد الصّبر قد انتهى ، وإنما نحن مصبّحون أو ممسّون [١] ، وكيف تخفضنا السفلة ونحن الأعلون. فلم يقبل مقالهم أولا ، وقال لعل فيما بلغ متأولا ، وما زالوا يحذرونه الغوائل [٢] ، ويأتونه على الأمر بدلائل ، حتى خاف على نفسه ، وعاد يومه خلاف أمسه ، وبدت البغضاء ، وزال الإغضاء [٣] ، وتمّ القضاء.
وعزموا مع القائد أن يطوّقوا واليهم السّيف ، ودبّروا أين وكيف ، ثم اتبعوا رأي مشيرهم المشيح [٤] ، وعزموا أن تكون الرّاحة منه في صلاة الترويح [٥]. فلم يقض الله لحيلتهم أن تكون متوجهة ، ولعلّه لم يرض أن تكون قتلته بالقتلة الفاروقية [٦] متشبّهة ، فإنهم لما عيّنوا اللّيلة والساعة ، وقدّروا لفنكة
[٤] المشيح : الحذر والجاد في الأمر. الفيروز أبادي ، القاموس المحيط ، ص ٢٠٦.
[٥] قيام رمضان وتؤدى بعد صلاة العشاء وقبل الوتر. والتراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة ، سميت بذلك لاستراحة المصلين بعد كل أربع ركعات. السيد سابق ، فقه السنة ، ج ١ ، ص ٢٠٥. ويستفاد من النص أن محاولة اغتيال والي ميورقة أبي يحيى بن أبي الحسن كانت في شهر رمضان سنة ٦٠٦ ه / أوت ١٢٢٩ م.
[٦] يريد مقتل الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي قتله أبو لؤلؤة النصراني ـ