خير الناصرين ، وقومه يريشون ويبرون [١] ، ويستغشون ولا يبرّون [٢] ، ويغلون في الأمر أشد الغلو ، ويغلّون يده عن الإعداد للعدو ، ويقولون إنّ ما تسمع من حركته محال لا يكون ، والخطب فيه مع ذلك يهون. إنما الدّاء أعداء منهم لك مكتنفون ، وبدون دمك لا يكتفون ، فبادر الرّمي قبل أن تغلب على نشابك ، وتغدّ بمن يريد أن يتعشى بك [٣].
وكانت الجماعة الأندلسية سخنة [٤] أعينهم ، ومضغة ألسنهم ، فطلبوا من الوالي أن يحظر عليهم حمل السيوف ، ويأمر بتقلّدها أهل القعود بداره والوقوف [٥] ، فخرج بذلك أمره ، وظهر من خلل الرّماد جمره ، وأوحشت تلك الحالة ، وكثرت في ثقالى الفريقين القالة.
[١] يبرون النبال والسهام ويجعلون لها ريشا. ويقال : فلان لا يريش ولا يبري أي لا يضر ولا ينفع. وفي حديث عمر قال لجرير بن عبد الله وقد جاء من الكوفة : أخبرني عن الناس ، فقال : هم كسهام الجعبة منهم القائم الرائش ، أي ذو الريش إشارة إلى كماله واستقامته. لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٣٠٩.
[٢] يقال استغشى ثيابه وتغشى بها ، بمعنى تغطى بها كي لا يرى ولا يسمع. ولا يبرون من البر بمعنى لا يصدقون. لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٥٢ ، وج ١٥ ، ص ١٢٧.
[٣] ويقال : " تغدّ بالجدي قبل أن يتعشى بك". مثل عربي يضرب في أخذ الأمر بالحزم. الميداني مجمع الأمثال ، ج ١ ، ص ١٩٠.
[٤] سخنة العين : نقيض قرّتها ، وقد سخنت عينه تسخن سخنا وسخنة وسخونا. وسخنت هي نقيض قرّت. لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٢٠٧.