المتدرجة فى الحدوث المتعاقبة فى الكون، و لكن اقول:

جميع القوى و الاعضاء التى فى الشخص عند تمام الخلقة و هو بفيضان النفس الناطقة العاقلة مفتقرة فى وجودها و ثباتها الى جوهر النفس الناطقة، و هذه القوى التى تستخدمها النفس بالفعل هى بالعدد غير التى كانت فى المادة بالبدنية سابقة على وجود النفس بحسب الزمان، و انما تلك معدات لهذه غير باقية بعد فيضان النفس لانها الحافظة اياها و هى مبدئها و فاعلها و غايتها باذن اللّه تعالى، و القوى انما هى فروعها و شعبها و خوادمها و جنودها.

و لا شبهة ان الجوهر العقلى من الانسان لكونه من عالم الملكوت احسن خلقة و اشرف وجودا من سائر قواه و من جميع الاكوان الدنيوية، و لهذا قال تعالى بعد قوله‌ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ‌ (المؤمنون- 14).

و معنى اقبال النفس الناطقة الى اللّه تعالى قربها إليه بواسطة تحصيل المعرفة و اليقين و سلوك منهج الصدق و الارتقاء الى عالم القدس و التجرد عن الدنيا و شهواتها و الخلاص من مضائق الابدان و سجون الحدثان، فهذا حركة من الخلق الى الحق، فاذا بقى فى المحو و لم يرجع الى الصحو كان مستغرقا فى الحق غافلا عن الخلق على عكس حال المحجوبين المستغرقين فى الخلق الغافلين عن الحق.

فهذا حال بعض اولياء اللّه لكن الولى الكامل من رجع بالوجود الحقانى الموهوب الى الصحو بعد المحو و عاد الى التفصيل بعد الجمع و وسع صدره لغاية الانشراح للحق و الخلق فانتصب فى مقام الخلافة و التكميل و تنزل الى المعاشرة مع الخلائق كما قيل فى حق امير المؤمنين 7: كان فينا كاحدنا، فهذا هو الفضل العظيم يؤتيه من يشاء من عباده.

فقد ظهر ان للانسان الكامل فى العقل حركتين: إحداهما اقبالية صعودية لتكميل ذاتية[1]، و الثانية ادبارية نزولية لتكميل غيره، فقوله 7: قال له اقبل فاقبل، اشارة الى الحركة الاولى الصعودية:

[1] كذا فى الاصل، و الظاهر: ذاته.