و الحرف الخامس الذى هو أحق بأن يلى الراء
فى التفهيم، يحتاج إلى تمهيد، و هو أن اللّه تعالى جعل ما أبطن من التنزيل و أظهر
من التطوير بتسبيب و اقتضاء، فأظهر الأوائل ابداعا، و أظهر ما دونها تسبيبا، فبين
كل حدين من حدود الراء تسبيب يصير فيه الأعلى سببا للأدنى، و الأدنى مسببا عن الأعلى،
و هى سلسلة الحكمة و معارج الترقى و إدراك التردى، و كلها من حكمة اللّه عن سبب
موجب و مسبب يوقف اللّه سبحانه عندها من أجهله و يخيرها من أعلمه، و ذلك الحرف هو:
\* الباء: و معناه أنه السبب الموصل لما إليه الحاجة، فإن كان مع
إعلام فهو باسم اللّه، و إن كان مع إجهال فهو بما دونه، و ما كان باسمه فهو إيمان،
و ما كان بما دونه فهو كفران:" من قال مطرنا بفضل اللّه و رحمته، فذلك مؤمن
بى كافر بالكوكب، و من قال مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بى مؤمن بالكوكب"[1].
و لما فيه من هذا التسبيب و الحجاب و البعد لم ينزل فى أوائل سور
الحروف، و لما يتضمن معناها من الحجاب و البعد ينبسط فيها القول و يتأكد فيها
الاعتبار لتتخلص الأنفس من تشبثها بشبكة شركها و تسبيبها. و الباء هى الباء كله
بعدا و حجابا، و لذلك قال ابن عباس:" أخذ بيدى على 7 ليلة، فخرج بى
إلى
[1] -أخرجه البخارى فى باب الاستسقاء عن زيد بن خالد
الجهنى،[ باب 15، 77].