تحققه، و هو حق يقين و سحر مبين، و لكنها
أجساد غير ناطقة، و أرواح منها خرجت ثم عادت إليها، و هي أصباغ مشرقة و ألوان
مونقة! و اعلم يا أخي أن هذا الصنف من السحر يفسد العقول و يتلف النفوس إذا عطفت
إليه و أقبلت عليه، و ينبغي لإخواننا، أيدهم اللّه، أن لا يلتفتوا إلى هذا الفن من
جهة القياس و قراءة الكتب و التّجربة و الاعتماد على من قال و وصف و قال رأيت، و
إنما المراد من ذلك اتّباع المعلّم الواصل و الحكيم الفاضل المانّ على من يحب أن
يمنّ عليه بذلك، إذا كان ممن ينبغي أن يعلّم له السحر الحلال و يعرّف كيف يحيي
اللّه الموتى كما قال إبراهيم: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ
تُحْيِ الْمَوْتى» قال: أ و لم تؤمن؟ يعني بالصفة- قال «بلى و
لكن ليطمئن قلبي»- بالنظر. قال: «فخذ أربعة من الطير- يعني أربعة أزواج طائرة-
فاجعل على كل جبل منهن جزءا» يعني أجسادا ثابتة جزءا كما ينبغي أن يجعل عليه؛ ثم
ادعهن- بالماء المحلّل- يأتينك سعيا، و اعلم أن اللّه على كل شيء قدير. و هذا
مقتضى هذه الآيات على ما تأوّله أصحاب هذه الصناعة.
و بهذا السحر عمل قارون و صرفه في غير حله و خالف موسى في فعله و
تعدّى ما رسمه له فحيل بينه و بينه، و خسف به و بداره و ابتلعته الأرض و ما كان
معه. و قلّ من يستحقّ تعليم هذا السحر في العالم، و إنما أردنا بما ذكرناه و نذكره
تلقيح عقول إخواننا، أيّدهم اللّه، بالمعارف، و تحريضهم على النظر في كل العلوم و
المعرفة بمبادىء الصنائع و كيفياتها، ليكونوا علماء حكماء، و يفارقوا عالم الجهل
و صفاته، و يتخلّصوا من أهله و آفاته، و يرتقوا إلى عالم العقل و خيراته، و ينالوا
درجة العلم و بركاته «و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين». و الموفّق لذلك قليل، و
قليل ما هم.
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه تعالى، أنه لا ينبغي لأحد من إخواننا،
أيّدهم اللّه، و لا لأحد من أي الناس كان أن يبتدئ بتدبير شيء من الأشياء و لا
صنعة من الصنائع، و لا عمل من الأعمال يريد به الصلاح في أمر نفسه