كتاب الحشائش و كتاب الخواصّ، و كذلك في
كتاب الأحجار و ما يشاكل ذلك من بدن الإنسان و أعضاء الحيوان، و إنما أردنا بما
ذكرنا ليعلم الناظر في كتابنا أن جميع ما في العالم قليله و كثيره، و كبيره و
صغيره، و معادنه و نباته، و حيوانه و مواته، لم يخلق إلّا بالحكمة، و أنه مربوط
بعضه لبعض لا يخلو من منفعة، و في كونه حكمة تدلّ على الصانع الحكيم جلّ اسمه و
تعالى ذكره؛ و أن الأشياء كلّها محفوظة في أماكنها، و أنه جل اسمه حافظها و موكّل
بها ملائكة تنشئها و تنميها و تمسكها و تربّيها، و لكل منها مستقرّ و مستودع، و
كلها مبيّنة في كتاب كريم و لوح عظيم، منه بدت و إليه تعود، و أنها مثالات و
علامات لما كانت منه و بدت عنه.
و اعلم يا أخي أن الجن و الشياطين و المردة موجودون في الأمكنة
اللائقة بهم التي ينبغي لهم أن يكونوا فيها، و كذلك الملائكة، و لكل منهم مقام
معلوم. و أن من بعض أمكنة الجن و الشياطين صدور المنافقين من الإنس.
و أنها حالّة فيهم للوسوسة و الغواية، و لهم قرناء من الجن يوحي
بعضهم إلى بعض. و أن أمكنة الملائكة صدور المؤمنين و من فوقهم من الأنبياء و
المرسلين كما قال جل جلاله: «نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين
بلسان عربي مبين». و قد ذكرنا في رسالتنا الجامعة أن من النبات و الحيوان و
المعادن أجسادا و أجساما و قوى تختص بكل نوع من أنواعها و شكل من أشكالها من
الأرواح. فنريد أن نذكر في هذا الفصل كيفية استعمال الحكماء هذه القوى و الأرواح
في السّحر الذي كانوا يعملونه و يعلّمونه لتلامذتهم، و هو معرفة الخلط و المزاوجة
في الوقت الذي ينبغي فيه ذلك، و معرفة النسبة و استواء الأنصبة، و إجراء
الروحانيات في الجسمانيات، و تركيب الأجسام على الأجساد، و إمكان الأرواح فيها بعد
الممات.
و اعلم يا أخي أنه من قدر على أن يحيي الجسم بعد موته مثل ما عمله
المسيح، فقد أتى بسحر عظيم لا تكاد النفوس أن تصدّقه و لا العقول أن