الشهوات الرديئة، و أنتم في ذلّ العبودية
أشقياء، لا راحة لكم إلّا الموت و القبر! فقالوا: كيف نعمل، هل لنا بد من طلب
المعاش؟ قال: فهل لكم أن ترغبوا في ملكوت السماء حيث لا موت، و لا هرم، و لا وجع،
و لا سقم؛ و لا جوع، و لا عطش، و لا خوف، و لا حزن، و لا فقر و لا حاجة، و لا تعب
و لا عناء، و لا غمّ، و لا حسد بين أهلها، و لا بغض، و لا تفاخر و لا خيلاء، بل
إخوان على سرر متقابلين فرحين مسرورين، في روح و ريحان، و نعمة و رضوان، و بهجة و
نزهة، يسيحون في فضاء الأفلاك و سعة السماوات، و يشاهدون ملكوت رب العالمين، و
يرون الملائكة حول عرشه صافّين يسبّحون بحمد ربهم بنغمات و ألحان لم يسمع بمثلها
إنس و لا جان، و تكونون أنتم معهم خالدون لا تهرمون و لا تموتون، و لا تجوعون و لا
تعطشون، و لا تمرضون و لا تخافون و لا تحزنون! و أكثر النّصح فيهم، و عمل كلامه في
نفوسهم، و أراد اللّه، عزّ و جلّ، بهم خيرا، فأسمعهم و هداهم، و شرح صدورهم، و فتح
قلوبهم، و نوّر أبصارهم، فشاهدوا ما وصف المسيح، 7، مما يشاهده هو بعين
البصيرة، و نور اليقين، و صدق الإيمان، فرغبوا فيها و زهدوا في الدنيا و غرورها و
أمانيها، و خرجوا مما كانوا فيه من عبوديّة طلب شهوات الدنيا، و لبسوا المرقّعات،
و ساحوا مع المسيح حيث مرّ من البلاد.
و كان من سنّة المسيح التنقّل كل يوم من قرية إلى قرية من قرى
فلسطين، و من مدينة إلى مدينة من ديار بني إسرائيل، يداوي الناس، و يعظهم و
يذكّرهم و يدعوهم إلى ملكوت السماء، و يرغّبهم فيها، و يزهّدهم في الدنيا، و يبيّن
لهم غرورها و أمانيها، و هو مطلوب من ملك بني إسرائيل و غوغائهم. و بينا هو في محفل
من الناس، هجم عليه ليؤخذ، فتجنب من بين الناس، فلا يقدر عليه و لا يعرف له خبر،
حتى يسمع بخبره من قرية أخرى، فيطلب هناك! و ذلك دأبه و دأبهم ثلاثين شهرا. فلما
أراد اللّه تعالى أن يتوفّاه و يرفعه