الأرواح، و التنبيه لها من نوم الجهالة، و
التيقّظ لها من رقدة الغفلة، و تخليصها من ألم نيران الشهوات الجسمانية المحرقة
للأفئدة، و التبصير لها من الغرور باللذات الجرمانية المهولة، و شفاؤها من الأمراض
النفسانية و من عذاب الحر و البرد، و الجوع و العطش، و ألم الأمراض و الأسقام، و
خوف الفقر و التلف، و الأحزان و الأسف، و أحداث الزمان، و غيظ الأعداء، و الغم على
الأصدقاء، و حرقة الإشفاق على الأحبّاء و الأقرباء، و معاداة الأضداد؛ و مكايدة
الأقران، و حسد الجيران، و وساوس الشيطان، و نوائب الحدثان حالا بعد حال.
فلما رآهم المسيح على تلك الحالة، لا فرق بينهم و بين من لا يقرّ
بالمعاد، و لا يعرف الدين و النبوّة، و لا الكتاب و لا السّنّة، و لا المنهاج و لا
الشريعة، و لا الزّهد في الدنيا، و لا الرغبة في الآخرة، غمّه ذلك منهم و رقّ لهم
و تحنن على أبناء جنسه، و تفكّر في أمرهم كيف يداويهم من دائهم الذي استقرّ بهم، و
علم أنه إن وبّخهم بالتعنيف و الوعيد و الزّجر و التهديد لا ينفعهم ذلك، لأن هذه
كلها موجودة في التوراة، و ما في أيديهم من كتب الأنبياء، :، فرأى أن
يظهر لهم بزيّ الطبيب المداوي! و جعل يطوف في محالّ بني إسرائيل يلقى واحدا يعظه و
يذكّره و يضرب له الأمثال، و ينبهه من الجهالة، و يزهّده في الدنيا، و يرغّبه في
الآخرة و نعيمها، حتى مرّ بقوم من القصّارين خارج المدينة، فوقف عليهم فقال لهم: أ
رأيتم هذه الثياب إذا غسلتموها و نظفتموها و بيّضتموها، هل تجوّزون أن يلبسها
أصحابها و أجسادهم ملوّثة بالدم و البول و الغائط و لون القاذورات؟ قالوا: لا، و
من فعل ذلك كان سفيها! قال: فعلتموها أنتم! قالوا: كيف؟ قال: لأنكم نظفتم أجسادكم
و بيّضتم ثيابكم و لبستموها، و نفوسكم ملوثة بالجيف، مملوءة قاذورات من الجهالة، و
العماء، و البكم، و سوء الأخلاق، و الحسد، و البغضاء، و المكر، و الغشّ، و الحرص و
البخل، و القبح، و سوء الظن، و طلب