إليه، اجتمع معه حواريّوه في بيت المقدس في
غرفة واحدة مع أصحابه و قال: إني ذاهب إلى أبي و أبيكم، و أنا أوصيكم بوصية قبل
مفارقة ناسوتي، و آخذ عليكم عهدا و ميثاقا، فمن قبل وصيتي و أوفى بعهدي، كان معي
غدا. و من لم يقبل وصيتي، فلست منه في شيء، و لا هو مني في شيء! فقالوا له: ما
هي؟ قال: اذهبوا إلى ملوك الأطراف و بلغوهم مني ما ألقيت إليكم، و ادعوهم إلى ما
دعوتكم إليه و لا تخافوهم و لا تهابوهم، فإني إذا فارقت ناسوتي، فإني واقف في
الهواء عن يمنة عرش أبي و أبيكم، و أنا معكم حيث ما ذهبتم، و مؤيّدكم بالنصر و
التأييد بإذن أبي! اذهبوا إليهم، و ادعوهم بالرفق، و داووهم، و أمروا بالمعروف، و
انهوا عن المنكر، ما لم تقتلوا أو تصلبوا أو تنفوا من الأرض، فقالوا: ما تصديق ما
تأمرنا؟ قال: أنا أول من يفعل ذلك! و خرج من الغد و ظهر للناس، و جعل يدعوهم و
يعظهم، حتى أخذ و حمل إلى ملك بني إسرائيل، فأمر بصلبه، فصلب ناسوته، و سمّرت يداه
على خشبتي الصليب و بقي مصلوبا من ضحوة النهار إلى العصر، و طلب الماء فسقي الخل،
و طعن بالحربة، ثم دفن مكان الخشبة، و وكّل بالقبر أربعون نفرا، و هذا كله بحضرة
أصحابه و حوارييه، فلما رأوا ذلك منه أيقنوا و علموا أنه لم يأمرهم بشيء يخالفهم
فيه، ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم أنه يتراءى لهم فيه،
فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه و بينهم، و فشا الخبر في بني إسرائيل أن المسيح
لم يقتل، فنبش القبر فلم يوجد الناسوت! فاختلف الأحزاب من بينهم، و كثر القيل و
القال و قصّته تطول.
ثم إن أولئك الحواريّين الذين قبلوا وصيته، تفرقوا في البلاد، و ذهب
كل واحد منهم حيث وجّه: فواحد ذهب إلى بلاد المغرب، و آخر إلى بلاد الحبشة، و
اثنان إلى بلاد رومية، و اثنان إلى ملك انطاكية، و واحد إلى بلاد الفرس، و واحد
إلى بلاد الهند، و اثنان أقاما في دير بني إسرائيل يدعون إلى رأي المسيح، حتى قتل
أكثرهم و ظهرت دعوة المسيح في شرق الأرض