و نام فيه، و قبض ملك الموت روحه من ساعته،
و انضمّ القبر، و انصرف موسى باكيا حزينا على مفارقته، و رجع إلى بني إسرائيل، و
معه ثياب هارون، فاتّهموه و قالوا: حسدته فقتلته! فبرّأه اللّه مما قالوا، و كان
عند اللّه وجيها.
و بقي موسى بعد وفاة هارون قليلا حتى كتب لهم التوراة، و وصّاهم بما
احتاجوا إليه، و سلم إلى يوشع، و ودعه، و صعد إلى الجبل، و الناس يبكون حتى غاب عن
أعينهم و سلم نفسه إلى ربه. ثم توفي، و مضيا إلى ربهما، فأكرم مثواهما، صلوات
اللّه عليهما. و بقي بنو إسرائيل، بعد وفاة موسى، أربعين سنة تائهين عن الهدى، حتى
بعث فيهم يوشع بن نون ولد نون ولد يوسف النبي، 7، و هو أحد الرجلين
اللذين أنعم اللّه عليهما حين قال موسى لبني إسرائيل: ادخلوا الأرض المقدسة التي
كتب اللّه لكم.
فصل
و مما يدل على أن الأنبياء، :، يرون و يعتقدون بقاء النفس
و صلاحها بعد مفارقة الجسد، فعل المسيح، 7، بناسوته، و وصيته للحواريين
بمثل ذلك: و ذلك أن المسيح لما بعث في بني إسرائيل فرآهم منتحلين دين موسى،
مستمسكين بظاهر شريعته، يقرأون التوراة و كتب الأنبياء، غير قائمين بواجبها، و لا
عارفين حقائقها، فلا يعرفون أسرارها، بل يستعملونها على العادة و يجرونها على
التقليد، و لا يعرفون الآخرة، و لا يرغبون فيها، و لا يفهمون أمر المعاد، و لا
يدرون ما فيها غير الدنيا و غرورها و أمانيها، و لا يدرون مما يستعملون من أمر
الشريعة و سنّة الدين إلّا طلب الدنيا، و ليس غرض الأنبياء في دعوتهم الأمم، و وضع
الشرائع و السّنن، إصلاح الدنيا فحسب، بل غرضهم من ذلك كله نجاة النفوس الغريقة من
بحر الهيولى و العتق لها من أسر الطبيعة، و إخراجها من ظلمات الأجسام إلى أنوار
عالم