و القطن و ما شاكلها يتكوّن في التراب
كالمعدن ثم ينبت في المواضع النّدية في أيام الربيع من الأمطار و صوت الرعد، كما
ينبت النبات، و لكن من أجل أنه ليس له ثمرة و لا ورقة يتكون في التراب كما تتكون
الجواهر المعدنية فصار من هذه الجهة يشبه المعدن و من جهة أخرى يشبه النبات. فأما
باقي أنواع الجواهر المعدنية ففيما بين هذين الحدّين أعني الجصّ و الكمأة، و قد
بيّنا في رسالة المعادن أنواعها و أجناسها و خواصّها و منافعها.
و أما النبات فنقول إن هذا الجنس من الكائنات متصل أوله بالمعادن و
آخره متصل بالحيوان؛ بيان ذلك: اعلم يا أخي أن أول مرتبة النبات و أدونها مما يلي
التراب هي خضراء الدّمن، و آخرها، و أشرفها مما يلي الحيوانية النخل. و ذلك أن
خضراء الدمن ليست بشيء سوى غبار يتلبد على الأرض و الصخور و الأحجار، ثم يصيبها
المطر فتصبح بالغداة خضراء كأنها نبت زرع و حشائش، فإذا أصابها حرّ الشمس نصف
النهار تجفّ ثم تصبح بالغد مثل ذلك من نداوة الليل و طيب النسيم. و لا تنبت الكمأة
و لا خضراء الدمن إلّا في أيام الربيع في البقاع المتجاورة لتقارب ما بينهما، لأن
هذا معدن نباتي، و ذلك نبات معدني.
فصل
و أما النخل فهو آخر المرتبة النباتية مما يلي الحيوانية. و ذلك أن
النخل نبات حيواني لأن بعض أحواله و أفعاله مباين لأحوال النبات، و إن كان جسمه
نباتيّا؛ بيان ذلك أن القوة الفاعلة منفصلة من القوة المنفعلة. و الدليل على ذلك
أن أشخاص الفحولة فيها مباينة لأشخاص الإناث، و لفحولته في أشخاصه لقاح في إناثها-
كما يكون في ذلك للحيوان- و أما سائر النبات فإن القوّة الفاعلة منه ليست بمنفصلة
من المنفعلة بالشخص بل بالفعل حسب- كما بيّنا في