و اعلم أيها الأخ أن لهذه الموجودات التي تحت فلك القمر نظاما و
ترتيبا أيضا في الوجود و البقاء، و هي مرتّبة بعضها تحت بعض، متصل أواخرها بأوائلها
كترتيب العدد و ترتيب الأفلاك. بيان ذلك أنه لما كانت أجزاء العالم محيطات بعضها
بعضا و هي إحدى عشرة كرة، تسع منها في عالم الأفلاك، أولها من لدن فلك المحيط، و
آخرها إلى منتهى فلك القمر، و آخرها متصل بأوائلها، كما بيّنا في رسالة السماء و
العالم؛ و كان اثنتان منها دون فلك القمر و هي كرة النار و الهواء، و كرة الماء و
الأرض، و هي مقسومة على أربع طبائع: أولها الأثير و هي نار ملتهبة دون فلك القمر،
و دونه الزمهرير الذي هو البرد المفرط، و دونه الماء المفرط للرطوبة، و دونه الأرض
المفرطة اليبس. و هذه الأربعة محفوظة كليّاتها في مراكزها، و متصلة أواخرها
بأوائلها، و مستحيلة جزئياتها بعضها إلى بعض- كما بيّنا في رسالة الكون و الفساد.
و أما الكائنات منها التي هي جزئياتها فهي المعادن و النبات و
الحيوان، و لها نظام و ترتيب متصل أواخرها بأوائلها كترتيب الأفلاك و الأركان.
بيان ذلك أن المعادن متصل أولها بالتراب و آخرها بالنبات، و النبات أيضا متصل آخره
بالحيوان، و الحيوان متصل آخره بالإنسان، و الإنسان متصل آخره بالملائكة، و
الملائكة أيضا لها مراتب و مقامات متصلة أواخرها بأوائلها- كما بيّنا في رسالة
الروحانيات- فنريد أن نذكر في هذا الفصل مراتب الكائنات من الأركان الأربعة التي
هي المعادن و النبات و الحيوان فنقول: أول المعادن هو الجصّ مما يلي التراب، و
الملح مما يلي الماء، و ذلك أن الجصّ هو التراب الرملي يبتلّ من الأمطار ثم ينعقد
و يصير جصّا. و أما الملح فإنه يمتزج بالتّربة السّبخة، و ينعقد فيصير ملحا. و أما
آخر المعادن مما يلي النبات فهو الكمأة