الزمان و يسعه المكان. و لا يزالون كذلك
بقيّة يومهم إلى الوقت من العشاء الآخرة، فيرجعون إلى منازلهم، و يتصرفون في
معايشهم، و يقومون بواجبات أحكام أديانهم إلى اليوم الثاني، و هو يوم ليلة البدر
إذا استكملت استدارته و تمّت أنواره فيه، في تلك الليلة و صبيحة ذلك اليوم كما فعل
في اليوم الأول و أزيد قليلا، ثم كذلك إلى وقت الانصراف بعد العشاء الآخرة من غد
ليلة، ثم في آخر الشهر و هو اليوم الخامس و العشرون من شهره بينه و بين أول الشهر
الجديد المستقبل خمسة أيام، و يكون لمن اقتدى بهذه السنّة في السنة ثلاثة أعياد.
فصل
العيد الأول يوم نزول الشمس برج الحمل، و ذلك أنه في هذا اليوم يستوي
الليل و النهار في الأقاليم، و يعتدل الزمان، و يطيب الهواء، و يهبّ النسيم، و
يذوب الثلج، و تسيل الأودية، و تمدّ الأنهار، و تنبع العيون، و ترتفع الرطوبات إلى
أعلى فروع الأشجار، و ينبت العشب، و يطول الزرع و ينمو الحشيش، و يتلألأ الزهر، و
تورق الأشجار، و تكمل الأنوار، و يخضر وجه الأرض، و تتكوّن الحيوانات، و يدبّ
الدبيب، و تنتج البهائم، و تدرّ الضروع، و تنتشر الحيوانات في البلاد، و يطيب عيش
أهل البرّ، و تأخذ الأرض زخرفها، و تصير كأنها فتاة شابّة طرية، فيجب أن يكون ذلك
اليوم عيدا يظهر فيه الفرح و السرور.
و كان الحكماء في هذا اليوم يجتمعون و يجمعون أولادهم و شبان
تلامذتهم بأحسن زينة و أنظف طهور إلى الهياكل التي كانت لهم، و يذبحون الذبائح
الطيبة الطاهرة، و يضعون الموائد، و يكثرون البقول و الألبان و الحبوب مما تنبته
الأرض. فإذا أكلوا و فرحوا أخذوا في استعمال الموسيقى بالنّقرات