فأما اليوم الأول من الشهر فيجب له أن يتطهر أنظف طهور، و يتبخر
بأطيب ما يقدر عليه من البخور، و لا يفرط في طهارته و صلواته المفروضة عليه في
شريعة الناموس، فإذا انقلب من محراب صلاة العشاء الآخرة جلس يسبّح اللّه و يقدسه و
يهلّله و يكبره إلى أن يمضي من الليل الثلث الأول. ثم يقوم و يجدد الوضوء و يسبغ
الطهارة ليكون طهور على طهور و نور على نور، و يبرز من بيته إلى أن يحصل تحت
السماء بحذاء الجدي و هو النجم الذي يهتدى به، قال اللّه تعالى: «و علامات و
بالنجم هم يهتدون»، فيتأمل الكتاب المبين و يتدبر آياته و يرى الملكوت دائما و هو
يسبّح اللّه و يقدسه و لا يدع التكبير و التهليل، ليكون من الذين قال اللّه تعالى
فيهم: «الذين يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات
و الأرض» الآية. و لا يزال كذلك حتى يذهب من الليل الثلثان فيكون الثلث الأول
قياما بعبادة الناموس، و الثلث الثاني قياما في التفكر في الملكوت.
فإذا زال أوان الثلث الأوسط هبط إلى الأرض ساجدا بتذلل و خضوع
لباريه، فلا يزال كذلك ما قدر عليه، ثم يرفع رأسه ببكاء و استغفار و توبة و
استعبار، فيعدد ذنوبه على نفسه، و ينوي التوجه بحسناته و صالح أعماله، و يدعو
بالدعاء الأفلاطوني، و التوسّل الإدريسي، و المناجاة الأرسطاطاليسية المذكورة في
كتبهم؛ فلا يزال كذلك حتى يبدو الفجر فيقوم فيسبغ الوضوء و يتطهر، فيرجع إلى
محرابه فيصلي صلاة الفجر، و يجلس في مكانه إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس و
أقبل أول النهار ذبح بيده إن كان ممن قد اعتاد ذلك ما قدر عليه من محلّل الحيوان،
و يأمر بإصلاح ما كان من الطعام، و يأذن لأهله و إخوانه بالدخول عليه و الوصول
إليه، و يحضر ذلك بين أيديهم.
فإذا فرغوا من طعامهم حمدوا اللّه، جل و عز اسمه، و شكروه و خرّوا له
سجّدا شكرا له بما منّ عليهم، ثم يخرج إليهم من الحكمة بحسب ما يوجبه