تهاونت و لا تبالي إن انشقت البيضة أو
انخرفت المشيمة، إذا سلم الفرخ أو الطفل فهكذا حال النفس مع الجسد إنما تشفق على
الجسد و تصونه و تحنّ عليه ما لم تعلم بأن لها وجودا خلوا من الجسد، و أن ذلك
الوجود خير و أبقى، و ألذّ و أحسن من هذا الوجود و البقاء الذي مع الجسد. فإذا
استتمّت الأنفس الجزئية و كملت صورتها و معارفها، و انتبهت النفس من هذا النوم و
استيقظت من هذه الغفلة، و أحست بغربتها في هذا العالم الجسماني، و أنها في أسر
الطبيعة في بحر الهيولى تائهة في قعر الأجسام، مبتلاة بخدمة الأجساد، مغرورة بزينة
المحسوسات، و بان لها حقيقة ذاتها، و عرفت فضيلة جوهرها، و نظرت إلى عالمها، و
شاهدت تلك الصورة الروحانية المفارقة للهيولى، و أبصرت تلك الألوان و الأصباغ و
الملاذّ العقلية، و عاينت تلك الأنوار و البهجة و السرور و الرّوح و الريحان، هانت
عليها مفارقة الجسد، و سمحت بإتلافه في رضى اللّه، عزّ و جل، و نصرة الدين و صلاح
الإخوان. و مما يدل على ذلك أن الأنبياء، صلوات اللّه عليهم، يرون و يعتقدون بقاء
النفوس و صلاح حالها بعد تلف الأجساد، ما فعل موسى و عيسى و غيرهما من الأنبياء،
:. و ذلك أن موسى، 7، قال لأصحابه و لإخوانه: «توبوا إلى
بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم». يعني هذه الأجساد بالسيف، لأن
جوهر النفس لا يناله الحديد، و ذلك أن القوم افتتنوا بعبادة العجل في غيبة موسى
إلى الجبل، فلما رجع إليهم و بان لهم أنهم قد ضلّوا، ندموا و تابوا. و لما عرف
موسى أن الذين تنزهوا عن عبادة العجل من الذين ثبتوا على سنّته بعد مبعثه، و الذين
عبدوا العجل الذين نشأوا على سنّة الجاهلية قبل مبعثه، و علم أنهم إن بقوا بعد
موته لم يأمن أن يحدثوا في دينه و سنّته و شريعته شيئا آخر، رأى من الصواب أن
ينفيهم من محلّة بني إسرائيل. و أذن اللّه تعالى له في ذلك لما فيه من الصلاح
للجمهور و النفع للعام. ثم قال لهم موسى: إن أردتم