أجل أن الدين بعد لم يتمّ، و الشريعة لم
تكمل. فلما نزلت هذه الآية: «اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي» تمنى
رسول اللّه، صلى اللّه عليه و على آله و سلم، الموت و نزلت: «إذا جاء نصر اللّه و
الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا فسبّح بحمد ربك و استغفره إنه كان
توابا» فقال رسول اللّه، صلى اللّه عليه و على آله و سلم: نعيت إليّ نفسي. فقال:
يا رسول اللّه، لو سألت اللّه أن يبقيك في أمّتك إلى يوم القيامة ينتفعون بك.
فقال: «إنا للّه و إنا إليه راجعون» أبى اللّه أن يجعل لأوليائه الخلود في الدنيا.
ثم قال:
«وا شوقاه إلى إخواني الأنبياء!» ثم ما مكث إلّا قليلا حتى توفي و
مضى إلى اللّه، عزّ و جل، و أكرم مثواه، صلى اللّه عليه و على آله و سلم، و على
سائر الأنبياء!
فصل
و اعلم أن الأنبياء و أتباعهم و خلفاءهم، و من يرى مثل رأيهم من
الفلاسفة الحكماء، يتهاونون بأمر الأجساد إذ تبعث الأنفس، لأنهم يرون أن هذه
الأجساد حبس للنفوس، أو حجاب لها، أو صراط، أو برزخ، أو أعراف.
و قد فسّرنا هذه المعاني في رسائلنا، و إنما تشفق النفس على الجسد ما
لم تنبعث، فإذا انبعثت هانت عليها مفارقة الجسد. و مما يدلّ على صحة ما قلنا إحراق
البراهمة أجسادهم و هم حكماء الهند. و أما من يفعلون ذلك من جهالتهم و شطارتهم
فليس كلامنا، و إنما نريد أن نذكر المستبصرين منهم الحكماء.
و ذلك أنهم يرون و يعتقدون أن هذه الأجساد لهذه النفوس الجزئية
بمنزلة البيض للفرخ أو المشيمة[1] للجنين، و
أن الطبيعة حضنتها و هي تشفق عليها ما لم تستتمّ الخلقة أو تستكمل الصورة. فإذا
تمت الخلقة و كملت الصورة،