فشكوا إلى اللّه، عزّ و جل، و دعوه أن يكشف
ما بهم، و كتبوا إلى رسول اللّه، صلى اللّه عليه و سلم، يخبرونه بما يلقون من أذية
المشركين، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، و أذن لرسول اللّه، صلّى اللّه عليه و على
آله و سلم، في قتال المشركين من أهل مكة ليخلص المؤمنين من أيديهم، فقال: «و ما
لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين
يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها و اجعل لنا من لدنك وليّا و اجعل
لنا من لدنك نصيرا» فخرج رسول اللّه، صلى اللّه عليه و على آله و سلم، إلى غزو بدر
لقتال المشركين من أهل مكة. فلما التقي الجمعان و بادروا إلى البراز بادر الأنصار،
فنادى المشركون: ابعث إلينا أكفاءنا يا محمد، فقال رسول اللّه، صلى اللّه عليه و
سلم: «قد وجبت عليكم، يا بني هاشم، نصرة نبيّكم» فقام حمزة عمه و علي و أبو عبيدة
و بارزوا، و اشتبكت الحرب، و كانت الدائرة على المشركين، و كان مع رسول اللّه، صلى
اللّه عليه و سلم، نحو سبعين رجلا من المهاجرين، و لم يكن منهم رجل إلّا و كان له
في عسكر المشركين ابن أو أب أو أخ أو صديق أو قرابة أو عشيرة، فلم يجاوبوهم و حاربوهم
بالسيف، و لم يشفقوا عليهم و لا على انفسهم من التلف، لأنهم قد علموا أن في ذلك
نصرة للدين، و صلاحا لإخوانهم المؤمنين، و طاعة لرسول اللّه، صلى اللّه عليه و
سلم، و رضوانا للرب، عز و جل.
و هكذا يوم أحد لما اشتد الأمر و انهزم الناس، و بقي، صلى اللّه عليه
و سلم، في نفر يسير معه فقال النبي، صلى اللّه عليه و سلم: من ينصرني اليوم و
يفديني بنفسه فله الجنة! فقام إليه ثلاثة نفر من الأنصار، فقاموا في وجه كل واحد
من رماة المشركين، فحجزوا عنه بأجسادهم و جعلوها وقاية لسلامة رسول اللّه، صلى
اللّه عليه و سلم، حتى استشهدوا جميعا، لأنهم قد علموا أن في بقائه نصرة للدين و
صلاحا لإخوانهم، و أن رسول اللّه، صلى اللّه عليه و سلم، لم يستفدهم مخافة من
الموت، و لا حرصا على الحياة في الدنيا، و لكن من