الملك و حاشيته و رعيّته و من معهم، و يهلك
عدونا و إن تلف جدي.
و مع هذا أرى أن ذلك الرجل كان أسمح مني لأنه كان رجلا شابّا يرجو
الحياة، و أنا رجل شيخ قد سئمت الحياة. و مع هذا أعلم أن الملك إذا سلم يحسن إلى
ذريتي أكثر مما كان يأمل ذلك الرجل منهم، و يكون من حسن الأحدوثة بعدي مثل ما لذلك
الرجل. و مع هذا فإن الذين أفديهم بنفسي أكثر عددا من الذين فداهم هو.
ثم إن الملك أمر فصنع به ما أشار لما قرب فيروز ملك الفرس منه، و
رحل، و ترك مكانه. فلما رآه أصحاب فيروز على تلك الحال سألوه عن خبره و من فعل به
ما هو فيه. فزعم أنه كان أحد وزراء خيشوان ملك الهياطلة، و أنه لما استشاره في
مقاتلة فيروز، أشار عليه بالصلح و أداء الخراج، فكره ذلك منه و فعل به ما ترون.
فرفع خبره إلى فيروز و أحضر و سئل فأجاب بمثل ذلك، فصدّقه فيروز و قال: أصبت بما
أشرت عليه! فقال:
يا أيها الملك، فلتدركني رأفتك، و تحملني معك لا يفترسني السباع،
فإني أدلك على طريق هو أقرب من هذا الذي تسلكه و أخفى. فقبل نصيحته.
و قال: تزودوا ليومين! و سلك بهم مفازة بعيدة. فلما ساروا يومين فني
الزاد فقالوا: كم بقي؟ قال: قليل، سيروا سيرا عنيفا، فساروا يومهم، فلما كان من
الغد قالوا له: كم بقي؟ قال: لا أدري، إني سلكت هذا الطريق و أنا بصير، و الآن
ترون حالي، اطلبوا لأنفسكم النجاة. فتفرّقوا في تلك البريّة و هلك أكثرهم، و نجا
فيروز مع نفر يسير من خاصته، و رجع إلى بلاده، و صالحه خيشوان، و رجع إلى بلاده
سالما هو و حاشيته، و صارت ذرّيّة ذلك الشيخ من أعزّ من في المملكة و أغناهم، و
بقي حسن الأحدوثة عن الشيخ في إخوانه و أصدقائه و أبناء جنسه! فهكذا رأي إخواننا
الفضلاء الكرام في معاونة بعضهم بعضا لنصرة الدين و طلب المعاش، إذا علموا أن في
تلف أجسادهم صلاحا لإخوانهم في أمر الدين