الرجل الخبّ[1]
العاقل، قال الملك: حدثني كيف كان حديثه. قال الحكيم:
ذكروا أنه كان قوم من الغوّاصين ذهبوا إلى جزيرة يستخرجون اللؤلؤ،
فصحبهم رحيل خبّ ليحتال عليهم فيفوز ببعض ما يستخرجون. فلما بلغوا ما أرادوا و
انصرفوا راجعين، لم يظفر الرجل بشيء مما أراد غير ما وهبوا له من صغار اللؤلؤ
لخدمته لهم. ثم إنه خرج عليهم القطّاع في طريقهم، فلما رآهم الغواصون بلع كلّ واحد
منهم ما كان معه من ذلك الجوهر الثمين شفقة من أخذه، و لم يكن مع الخبّ شيء يشفق
من أخذه، فلم يبلع هو شيئا. فلما أخذهم القطّاع فتشوهم فلم يجدوا معهم شيئا غير
صغار اللؤلؤ فقالوا لهم: أين خبأتم الكبار؟ فقالوا: لم نجد غير هذا، فقالوا: بل
بلعتموها، فلنشقنّ أجوافكم، فحبسوهم تلك الليلة، و عزموا على شق أجوافهم! فجعل
الغواصون يفكرون طول الليلة، ففكر الرجل الخبّ في نفسه- و كان رجلا عاقلا- فخلا
بهم و قال لهم: إني أخبركم بأني ما صحبتكم إلا لكذا و كذا، فلم أظفر بشيء مما
أردت، و قد علمت بأنه ما من أحد منكم إلّا و قد بلع شيئا غيري، و لئن شقّ جوف واحد
فوجد فيه شيء لنهلكنّ بأجمعنا! و قد رأيت من الرأي أن أفديكم بنفسي، فلعلكم
تسلمون، و هو أن أقول لهم: إن كان و لا بد، فشقّوا جوف واحد، فإن وجدتم شيئا،
فرأيكم بالباقين، و إن لم تجدوا شيئا، فاعلموا أنّا صادقون، و لكن أمهلونا لنقترع
بيننا، فمن خرجت قرعته، فدونكم ما تريدون! فإن أجابوا إلى ذلك احتلت أنا حتى تخرج
قرعتي، و إن تلفت نفسي و سلمتم، فأسألكم أن تحسنوا إلى ذريتي و تواسوهم مما معكم
إذا سلمتم إن شاء اللّه تعالى. ففعل به ذلك فلم يوجد في جوفه شيء و سلم القوم.
فأنا، أيها الملك، أعلم أنه إن ظفر بنا عدوّنا فأنا هالك لا محالة، و أنا أرجو إن
تمّت حيلتي، أن يسلم