اعلم أيها الأخ أن الإنسان الغافل عن العبادة، المنهمك في المعصية،
هو أخسّ من الحيوان، و أخسّ من النبات، و أخسّ من المعادن، مردود إلى أسفل السافلين،
لأن الجواهر المعدنية قبلت الصورة و هو لم يقبلها، و الشجرة ساجدة و راكعة لربها و
هو لا يسجد، و الحيوان طائع للإنسان و هو لا يطيع ربه و لا عرفه و لا وجده، و نعوذ
بالله من هذه الغفلة و هذا النسيان و نسأله التوبة و الإقالة إنه وليّ الإحسان.
فصل في معرفة أفعال العقل
اعلم أيها الأخ أن العقل الفعال هو الإبداع الأول و الخلق الأكمل، و
أنه فعل اللّه الذي فعله بذاته و أوجده بكلمته و قدرته، الذي قدّر فيه وجوده الذي
جاد به، و يحقق هذا البرهان أن الراد علينا فيما ذكرنا لا يمكنه جحود ما أوردناه،
و لا خلاف عنده فيما وصفناه، و إلّا كان ردّا للعيان. و نعود فنقول إن للعقل فعلا
يختص به، و لا ينفرد عنه، و لا ينفصل منه، قريب بحيث هو.
و لما كان العقل لا يعدم جود باريه بل واجد له، يجب أن يكون بحيث
القرب منه تعالى مرتبا في قبضته و إحاطته و اتصال أمره به، كذلك يجب أن يكون
الإبداع الثاني المنبعث عنه البادي منه المتوجّه بالشوق إليه منه بدأ و إليه يعود،
فهو بالقرب منه بحيث التوجه بالشوق إليه و الاستفادة منه و الأخذ عنه ما يكون له
صورة القيام، و هي النفس الكلية المرتّبة في قبضته، و هو المفيض عليها الفضائل
الموجودة في جوهرها، و بما تتلقى منه يكون تمامها و سعادتها، و بما تلاحظ في ذاتها
العالية عليها المحيطة بها، و بتأملها بدقة تأمّل