للنقش و الصورة، فهذه عبادتها و طاعتها و
خضوعها و خشوعها، و إن منها ما يلتذ و يشتاق إلى الطاعة، و منها ما هو أسرع
للقبول، و أحسن في الصورة، و أجلّ في القدر، و أعظم في ذلك، و دون ذلك، و منها ما
هو في غفلة من ذلك لا يقبل الصورة، و لا يذوب بالنار، و لا له إشراق و لا صفاء، و
لا ينتفع به كالصّمّ الصّلاب و الصّوّة و الحجارة و الأرضين السّباخ.
و أما عبادة النبات فهي ما يظهر منه من الحركات، و ذهابه مع الهواء
إذا ذهب يمينا و شمالا، فهو راكع و ساجد، و مسبّح و مقدّس باصطكاك أوراقه و حركات
قضبانه، و ما يبديه من أنواره و أزهاره، و تسليمه ثمرته إلى الحيوان، و منها ما لا
ينتفع به و لا يصلح إلّا للنار.
و أما عبادة الحيوان فهي خدمته الإنسان، و ذهابه معه حيث ما ذهب، و
ما يكون من صبره على ما يعمل به، و منه عاص منكر جاحد لطاعة الإنسان، عدو له
كالسباع و أنواع الوحوش.
و أما عبادة الإنسان فهي ما أوجبه اللّه تعالى عليه و هداه إليه، و
هو أجلّ العبادات الأرضية، و أعظم المعارف الحيوانية، و له فضيلة النّطق و شرف
القدرة على ما دونه، و كمال الخلقة و استواء القامة، مجموع من العالمين، فهو كالحد
المتاخم للحدّين و كالواسطة بين الطرفين. فاحرص أيها الأخ بالعبادة و الطاعة حتى
تصل إلى حيث يكون تسبيحك و تقديسك غاية أنسك، و أعظم لذة تجدها نفسك، فعند ذلك
تأنف من الغذاء الجسماني و لا تحرص عليه و لا تشتاق إليه، و تصير في روضة الملكوت
بحيث تكون حيّا لا تموت.