في الروحانيات المخلوقات، محدثات مبدعات
فاعلات أفعالا تليق بها منسوبة إليها يكون بعضها من بعض، مثل العلم و القدرة و
الإحاطة و الحياة و ما شاكل ذلك من الصفات، و أن ذلك متعلق بالعقل و ما دونه حتى
تكون متصلة بالإنسان و بالحيوان، و لكل منها بحسب ما يليق مما جعله اللّه فيه. و
لذلك قال سبحانه: «أعطى كل شيء خلقه ثم هدى». و لما كانت هذه الصفات مشتركة فيها
جميع الموجودات علمنا أن للباري، سبحانه، من جهة النزهة عنه، صفات تختص به كفعله
المخصوص به، فطلبناها بالحرص و الاجتهاد و استقراء كتب الحكماء و سؤال العلماء و
من عنده علم الكتاب من أهل الذكر كما قال تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا
تعلمون» فوقفنا من ذلك على ما منّ اللّه سبحانه به علينا و هدانا إليه. و نحن نذكر
من ذلك ما يليق ذكره بهذا المكان و فيه كفاية لذوي الألباب و من وفقه اللّه تعالى
للصواب.
فصل
اعلم أيها الأخ أن صفات اللّه تعالى التي لا يشركه فيها أحد من خلقه،
و معرفته التي لا يعرف بها إلّا هو، أنه مبدع مخترع خالق مكوّن قادر عليم حي موجود
مبدع قديم فاعل، و أنه المعطي من جوده الوجود هذه الصفات و ما ينبغي له و يليق،
فأفاض على العقل من ذلك أنه مبدئ محدث حي قادر مخترع عالم فاعل موجود. فالعقل مبدئ
لما بدا منه، و فاعل بمعنى مفعول، و محدث بمعنى أنه محدث معلول، و معطي الحياة لمن
دونه كما أعطي، و موجود بوجود أفعاله الصادرة عنه.
و كذلك ما يكون من صفات الروحانيين و الجسمانيين و اشتراكهم فيها، و
هي صفات جزئية يقال بها عليهم مقالة مجازية، و هي مقرونة معهم بأضدادهم كاقتران
الوجود بالعدم، و العلم بالجهل، و الحياة بالموت، و القدرة بالعجز،