صوابا، و أقررت بالحق، و أنصفت في الجواب،
فخبّرنا عن هذا الجوهر الشريف، هل يمكن أن يعرف ما هو و كيف كونه مع هذا الجسد
باختيار منه أو مضطر أن يكون معه، أو هل تعرف أين كان قبل أن يقرن بهذا الجسد، و
أين يذهب إذا فارقه، أو تقول إني لا أدري، و هل ترضى من نفسك الجهل بهذا المقدار
من العلم أن تقول: إن هذا العلم ليس في طاقة الإنسان أن يعمله، و كيف يسوغ لك هذا
القول، و العلماء مقرّون أجمع و أنت معهم بأن معرفة اللّه واجبة على كل عاقل، و
كيف يستوي للعبد إذا معرفة ربه و هو لا يعرف نفسه؟
و قد روي عن رسول اللّه، صلى اللّه عليه و سلم، أنه قال: «من عرف
نفسه فقد عرف ربه، أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه» و كيف يستوي لك أن تقول إنك تعرف ربك
و لا تعرف نفسك و قال اللّه، عزّ و جل: «بل الإنسان على نفسه بصيرة» و قال: «و ضرب
لنا مثلا و نسي خلقه» و قال:
«و في أنفسكم أ فلا تبصرون» و قال: «كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا» و
قال: «إن النفس لأمّارة بالسوء إلّا ما رحم ربي» و قال: «يوم تأتي كل نفس تجادل عن
نفسها» و قال: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي» الآية.
و أنت تعلم أيها الأخ أن نفس الإنسان أقرب إليه من كل قريب فكيف
يستوي لك أن تقول لا يمكن أن يعلم الإنسان نفسه و يعلم غيرها من الأشياء البعيدة
الغائبة عن حواسه و عقله؟
و اعلم أيها الأخ أنه إنما ذهب على أكثر الناس معرفة أنفسهم لتركهم
النظر في علم النفس و البحث عنها، و السؤال للعلماء العارفين بعلمها، و قلة
اهتمامهم بأمر أنفسهم و طلب خلاصها من بحر الهيولى و هاوية الأجساد، و النجاة من
أسر الطبيعة، و الخروج من ظلمة الأجساد، و لشدّة ميلهم إلى الخلود في الدنيا و
استغراقهم في الشهوات الجسمانية، و الغرور باللذات الجرمانية، و الأنس بالمحسوسات
الطبيعية، و لغفلتهم عما وصف في الكتب النبوية من نعيم