أشرنا إليه، فذلك هو الذي نريده، و إن توقّف
و قال: ما علامة ما يقولون و ما تصديق ما يزعمون من الرأي و الحديث؟ فنقول: عندنا
دلائل واضحة و براهين بيّنة و علامات و شواهد يعلمها من كان ينظر في العلوم
كنظرنا، و يعتبر الأمور كاعتبارنا، و كان في المعارف بصيرا مثلنا.
فإن أراد أخونا الفاضل الكريم فليبعث إلينا ثقة من ثقاته و أمينا من
أمنائه و من أبناء جنسنا، و من يشاكلنا في العلوم و المعارف، و من يحاجّنا على ما
نقول و يناظرنا على ما نشير إليه، ليتضح له حقيقة ما قلنا و يتبين له التصديق بما
أمرنا و اللّه الموفّق للصواب.
فصل في مخاطبة أهل العلم الغافلين عن أمر النفس و المعرضين عن
معرفة جوهرها
أخبرنا أيها الأخ: هل أنت عالم و متيقن بأن مع هذا الجسد الطويل
العريض العميق أعني الجسد المركّب من اللحم و العظم و العصب و العروق، المؤلف من
الأخلاط الأربعة التي هي الدم و البلغم و المرّتان، التي كلها أجسام أرضية مظلمة،
غليظة منتنة، متغيرة فاسدة، جوهرا آخر هو أشرف منه و هو النفس التي هي جوهرة
روحانية، بسيطة حية، سماوية شفّافة، و هي المحركة لهذا الجسم، المدبرة له، المظهرة
به و منه أفعالها و أقوالها و علومها، أو تقول إنه ليس هاهنا شيء آخر غير هذا
الجسد المرئي المحسوس، المتغير الفاسد، المستحيل الهالك، الذي إن أصابه حرّ ذاب،
أو إن أصابه برد جمد، و إن نام بطلت حواسه، و إن انتبه لا يشعر بوجوده، و إن نقل
لا يدري أين كان، و إن ترك لا يتحرك، و إن حرّك لا يحس بذاته، جاهل لا يعلم شيئا،
و إن لم يسق جفّ عطشا، و إن لم يطعم ذبل، و إن طعم امتلأ من الدم و الصديد و البول
و الغائط، كأنه ربع مجصص ظاهره، مملوء