و الفراسة و التدبير و السياسة، و تبشره بما
ألقيناه إليك من الأسرار في شأنه و ما يتحقّق من المأمول في أمره من نصرة الدين و
فتح البلاد، و ما يكون على يده من صلاح العباد مما خبّرت به دلائل القران، و لوّحت
به شواهد الامتحان، و تعرض عليه هذه التّذكرة ليتأملها و يتفكر فيها و تعرّفه أن
إخوانه الذين وجّهوك إليه من ذلك البلد لما هم عليه من العقل و كرم الأخلاق و حسن
الآداب و الألفة و الاتفاق، و ما يعتقدون في أمر الدين من جميل الرأي، و ما
يتعاملون في أمر الدنيا من حسن المعاملة، لهم مجلس يجتمعون فيه في الخلوات، و
يتذاكرون العلوم و يتحاورون في الأسرار، و يبحثون عن خفيات الأمور، فتذاكروا يوما
فيما بينهم من حوادث الأيام و تغييرات الزمان و الخطوب و الحدثان، و ما تدل عليه
دلائل القران من تغييرات شرائع الدين و الملل، و تنقّل الملك و الدول من أمّة إلى
أمة، و من بلد إلى بلد، و من أهل بيت إلى أهل بيت، فاجتمع رأيهم و اتفقت كلمتهم
على أنه لا بد من كائن في العالم قريب، و حادث عجيب، فيه صلاح الدين و الدنيا، و
هو تجديد ملك في المملكة، و انتقال الدولة من أمة إلى أمة، و أن لذلك دلائل بيّنة
و علامات واضحة، و قالوا قد عرفناها بفراغ عقولنا و تجارب الأمور و اعتبار تصاريف
الزمان، فيما مضى من الحدثان، و ما يعرف منها بالزّجر و الفال و الكهانة و
الفراسة، و بدلائل المتحرّكات من النجوم و المنامات مما تدل عليه من الكائنات قبل
أن تكون. و قد اعتبرنا بهذه الوجوه التي ذكرناها و أشرنا إليها حتى عرفنا صاحب
الأمر بصفاته، و السّنة و الشهر الذي يكون فيه الحادث في شأنه، و ما نرجو من ذلك من
صلاح الدين و الدنيا: «و اللّه بالغ أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون» و إنما
أردنا بهذه التّذكرة أن تكون لنا بها قربة إلى اللّه تعالى، و نصرة للدين، و حرمة
للإخوان، و نصيحة لصاحب الأمر، و قدم صدق في الأولين، و لسان صدق في الآخرين.
فإن وقعت هذه التذكرة منه مكانها من القبول، و سمت نفسه إلى ما