و إذ قد ثبت بما ذكرنا وجود النفس، و حقيقة المنامات، و صحة الرؤيا
بما فيه كفاية لكل منصف عقله، فنريد أن نذكر كميّة أنواع المنامات و فنون
تصاريفها. و اعلم يا أخي أن رؤية المنامات على ستة أنواع: فمنها ما هو أضغاث أحلام
و أحاديث النفس، و منها ما يكون من جهة غلبة أخلاط الجسد، و منها ما يكون من جهة موجبات
أحكام النجوم، و منها ما هو وساوس من الشيطان، و منها ما هو إلهام من الملائكة، و
منها ما هو وحي من اللّه و تأييده.
تفسيرها: أما أضغاث الأحلام فمثل ما يرى كل إنسان ما يكون منصرفا فيه
نهاره، و مفكّرا فيه ليله من الأعمال و الصنائع و التجارات و الأقاويل و الفكر و
الهموم و ما شاكلها من أحاديث النفس، كالذي يرى الحراث من الزّرع و الحصاد و الشجر
و النّبات و العوامل من الحيوان، و ما هو منصرف فيه نهاره و مفكّر فيه ليله. و على
هذا القياس سائر طبقات الناس مما يرون من أحوالهم و متصرّفاتهم يسمّى أضغاث أحلام
و أحاديث النفس. و أما الذي يكون من غلبة أخلاط الجسد فهو مثل الذي يرى من غلبت
عليه مرّة السوداء من السواد و الدّخان و القاذورات و الأحزان و ما شاكلها، و
كالذي يرى البلغميّ المرطوب من الأنداء و الأمطار و الآجام و الأنهار و الوحل و ما
شاكلها، و كالذي يرى الدمويّ من الفرح و الضّحك و اللّعب و السرور و ما شاكلها، و
كالذي يرى الصّفراويّ من الحريق و البروق و النيران و الألوان الحمر و ما شاكلها.
و أما الذي يكون من أحكام موجبات النجوم فهو الأصل و سائرها فروع:
و ذلك أن بني الإنسان يختلفون في رؤيتهم المنامات على فنون شتى:
فمنهم من يكون كثير المنامات صحيح تأويلها، و منهم من هو بالضّدّ، و من الناس