بالإنسان بنية مخصوصة، أو قال: مزاجا
معلوما، أو قال: تأليفا ما، فيقال له: أخبرنا أيّ بنية تعني و أيّ مزاج، بيّن لنا؟
و إنّا قد نرى بنية بدن الزنجي مخالفة لبنية بدن التركي، و مزاج الطفل مخالفا
لمزاج الشيخ، و تأليف بنية المفلوج الزّمن[1]
مخالفا لبنية السليم الصحيح، و طبع العليل مخالفا لطبع الصحيح، و كلّهم إنسان لا
يختلفون في الإنسانية مع اختلاف هذه الأحوال. فبيّن لنا ما ذلك المعنى الذي كلهم
فيه بالسّويّة إن لم يكن للنفس حقيقة و لا وجود؟ فإن قال: الروح؛ فهو الذي نسمّيه
نفسا، و إنما الاختلاف هو في العبارة و لا ضير إذ قد اتفقنا في المعنى. فإن قال:
إن الجسم يفعل هذه الأفعال بكون الروح فيه، و لكن الروح عرض من الأعراض، فقد ناقص
و ادّعى بأن ما لا فعل له يجتمع مع ما له فعل، فيكون فاعلا، فهو المطالب بالدليل
على دعواه! و لم يصحّ للقائلين بهذه الدعوى دليل برهاني يقيني إلى يومنا هذا، إلّا
شبهات و دعاوى، و المنازعة قائمة بذاتها. فإن قال بأنه إذا دخل في الجسم عرض من
الأعراض، فإن اللّه تعالى يحدث عند ذلك فعلا، فقد ناقض مذهبه، و أقر بخلق الأفعال
بعد ما كان منكرا لها إن كان من أهل الاجتهاد، و إن كان ممن يقول بطريق السمع،
فالأمر سهل لأنه قد وردت أخبار كثيرة في تصحيح وجود النفس و الروح، و آيات كثيرة
في القرآن تنطق بها، و إن كان كلامنا مع من يردّ دلائل العقل و حجج الجدل.