و اعلم أن الأصول في أصوات ذوات الأصوات أن معرفتها تكون بمعرفة
الطبائع الأربع التي هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و الأركان الأربعة
المعلومة، و كيفيّة استحالة بعضها إلى بعض، و امتزاج بعضها ببعض في الأزمان و
الأماكن، و ما يحدث منها في البقاع و المعادن. فمن بحث عن ذلك بفكره و نافذ بصيرته
و جودة تأمله و ثاقب نظره، علم أن الأركان الأربعة لها جهات أربع من الشرق و الغرب
و الشمال و الجنوب. و لهذه الجهات أوتاد أربعة و هي الطالع، و الغارب، و وتد تحت
الأرض، و وتد وسط السماء.
و هذه الأسباب الأربعة ممثّلة على حدود أربعة ترجع إلى سبب واحد.
و لمعرفة هذه الحدود أقوام إذا سألتهم عنها عرّفوك، و إذا قصدتهم
أرشدوك، فإن الكائنات التي هي من استحالة هذه الأركان أربعة أنواع:
فمنها حوادث الجو، و التغيّرات الهوائية، و الكائنات منها مثل الرياح
و الأمطار و الرعد و البرق و الثلج و الهالات و الشّهب و ذوات الأذناب و احمرار
الشفق و النيران الحادثة في الأفق.
و منها الكائنات التي في باطن الأرض كالبخار المحتقن هناك، و الهواء
المنحصر، و ما يحدث من الزلازل و الرّجفات و الخسف و الهدّات، و ما قد أحكمته
الطبيعة في باطن الأرض، و أسخنته ببخارها و طبخته بنارها من مائع و جامد و كائن و
فاسد، مثل معادن الذهب و الفضة و النّحاس و الحديد و الرصاص و الزيبق و الكبريت و
النّفط و الملح و الشّبّ و الزّاج و سائر المعدنيّات الذائبة و الجامدة. و هذا علم
معرفة كثيرة الفائدة. و قد ذكرنا طرفا في رسالة المعادن.
و منها الكائنات على وجه الأرض التي تسمّى النامية، و هي على ضربين:
نام بالقوّة و هو سائر النبات، و نام بالحياة و هو جميع الحيوان. و
كون جميع