الحيوان على ضربين «نتاج و تكوين» فالنتاج
من مماسّة الأجسام الحيوانية بعضها لبعض، و قد ذكرنا في رسالة الحيوانات المتكوّن
منها بغير مماسّة ما هو من امتزاج الطبائع بعضها ببعض، و هو النكاح الأول و هو
الأصل. فإذا امتزجت الطبائع و نكحت بعضها بعضا نكاحا طبيعيّا، أخذت القوّة
المنفعلة عن القوّة الفاعلة بمقدار هيولى ذلك المكان، و ما في هيئات ذلك الزمان
مما يسهل قبوله، فيحدث من بينهما حيوان. و الدليل على ذلك أن ما فيه طبيعة واحدة
لا يحدث منه حيوان، و سائر الأجسام الصلبة لا يوجد فيها حيوان لامتناع الهواء أن
يتخلّلها. و كلّ مكان لا يدخله الهواء لا يوجد فيه حيوان، و إنما الهواء يجمع بين
قوى الطبائع و يؤلّف بينها و يحرّكها حركة الاختلاط و الامتزاج، و يكسبها النّداوة
و العفونة و التحليل و التركيب، و يكوّن الحرارة فيلقح ذلك المكان و يقبل العفونة
من الهواء، فتتحد الطبيعة بالطبيعة و تختلط القوّتان فيكون البخار الحار اليابس
كالذكر، و البارد الرّطب كالأنثى، و اجتماعهما كالنّكاح، فيحدث من بينهما حيوان. و
قد ذكر اللّه تعالى ذلك في القرآن إذ يقول: «وَ أَرْسَلْنَا
الرِّياحَ لَواقِحَ» الرياح هاهنا فاعلة، و الأصل في هذه الكلمة
موضوعها في اللغة العربية على ما أجمع عليه النّحويّون ملاقح[1]
فيصير هاهنا على القلب و التبديل. و العرب تقلب الشيء إلى الشيء، و تبدل و تقدّم
إذا كان المعنى مفهوما، و كان المخاطب به يفهم من المخاطب. و الدليل على أنها
ملاقح قولهم في اللغة لقحت الأرض و النّخلة فهي لاقحة، و الجمع لواقح، فجعل لفظة
الفاعل هاهنا لفظة المفعول على القلب كما قال تعالى:
«ماءٍ دافِقٍ» و إنما هو مدفوق، لأن الرباعيّ الذي اسم الفاعل
منه مفعل و الثلاثيّ الذي اسم المفعول منه فعيل، و قد يكون الفعيل مرّة للفاعل و
مرّة للمفعول، و المعنى يدلّ عليه، كقولك: قتيل
[1] -الملاقح: الفحول التي تلقح الاناث، واحدها ملقح.