و لا يكون له منفذ إلّا بشدة شديدة، فيجتمع
بقوته و يخترق الهواء بلطافته، فيحدث منه ذلك الصوت على قدر كثرته و قلته. و ربما
طلب العلو فلم يكن له منفذ، فانعكس البخار اليابس، فطلب السّفل، فقدح نارا أو يحدث
منه صوت هائل، و هو الذي يسمى الصاعقة، كما يحدث من الزّق المنفوخ، إذا وقع عليه
حجر ثقيل من شاهق، و شقّه و خرج منه الهواء الذي كان فيه دفعة واحدة، و حدث منه
صوت هائل، و هو الذي يسمى صاعقة، يسمعه من بقرب تلك البقعة، و ربما يتحول ذلك
البخار فيصير ريحا يدور في جوف السّحاب، و يطلب الخروج منه، و يسمع له دوي و قرقرة
كما يسمع من أجواف الحيوان و الإنسان من الريح التي تحدث في الجوف من جهة المأكول
الذي يحدث فيه.
فصل
ثم اعلم أنه، لو لا العناية الإلهية و السياسة الربّانية و رحمة
اللّه تعالى بخلقه و رأفته بعباده بأن جعل كرة النسيم عالية عن كرة السحاب، مرتفعة
بعيدة من الأرض بمقدار الحاجة، و جعل من شأن السحاب أنه إذا انخرق طلب الصعود إلى
فوق، و من شأن قرع الهواء إذا حدث أن تكون حركته إلى فوق، و لو لا ذلك، لكانت
أصوات الرعد و لمعان البرق تضرّ بمسامع الحيوان و أبصارها، و لأهلكتها كما يكون
ذلك في بعض الأحايين. و ذلك أن السحاب إذا تزاحم و دفع بعضه بعضا، حتى ينضغط
فينتقل من قرب الأرض، و تحدث منه الرعود، و تنخرق السّحب من أسفل، فيحدث من ذلك
قرع في الهواء، و تدافع منحطّ في الأرض، فيكون من ذلك صوت هائل يسمى صاعقة، و تقتل
كثيرا من الحيوان الذي يقرب من ذلك المكان، و ربما أحرقت بعض الأجسام الرخوة لأنها
نار لطيفة. و أما الأجسام الصّلبة فإنها