و سنأتي على بيان ذلك في موضعه إن شاء
اللّه. و الأصوات التي هي غير حيوانية أيضا تنقسم قسمين و توجد في نوعين، و ذلك
أنها طبيعية و آليّة. فالطبيعية كصوت الرعد و الريح و البرق و كصوت الأجسام التي
لا أرواح فيها كالجمادات، و مثل صوت الحديد و الحجر و الخشب و ما أشبه ذلك. و
الآليّة هي الأجسام الصناعية كصوت الطبل و البوق و الزّمر و الوتر و المناقر.
و جميع هذه، طبيعية و آلية، لا يحدث فيها صوت و لا يسمع لها حركة إلا
من تصادم بعضها ببعض، و امتزاج بعضها ببعض. فإنه لو لا أن الزامر ينفخ في الناي، و
المغني يحرّك الوتر، و الناقر ينقر الحجر، لم يوجد لذلك صوت و لا يسمع له حسّ.
و أما أصوات الرعد فقد قالت الحشويّة[1]
إنه للملك يزجر السحاب و يسوقه و يفرّقه يمينا و شمالا، و إن الملائكة عن يمينه و
شماله يسبّحون بتسبيحه و يسكتون بسكوته. سبحانك هذا بهتان عظيم، فلم يكن عند علماء
هذه الطائفة الحشوية أكثر من هذا العمى ببصيرتهم و قلّة عقلهم و تمام جهالتهم.
و قال غيرهم ممن يدّعي معرفة علم الهيئة إنه يحدث من تصادم السّحاب و
اصطكاك الغيوم. و هذا خطأ لأن السحاب جسم منعقد من البخار يتصاعد من الأرض لطيفا،
ثم يتكاثف من التئام بعضه إلى بعض، و هو جسم لا صوت له.
و قال آخرون هو الريح يخرق السحاب، و الريح إذا خرق السحاب، فرّقه و
قطّعه، و لم يحدث من بينهما صوت.
بقي القول في الصواب، و هو أن يطلع البخار بلطافته، حتى يتعلق في
عنان الهواء، و هو على ضربين رطب و يابس. فإذا اجتمعا و تكاثفا امتزجا و تعاقدا،
فعقد البخار الرطب مع البخار اليابس بقوة كثافته و شدة رطوبته،
[1] -الحشوية: طائفة اسلامية تمسكوا بالظواهر و ذهبوا
إلى التجسيم و غيره.